كتب …سعيد الجدياني
هذه ورقة كتبها الزميل سعيد الجدياني الاعلامي الرصين والباحث المهووس في تاريخ اسفي والمغرب عامة ..يحاول من خلالها تفكيك العلاقة التي تجمع الاعلام المحلي ببعض المؤسسات الانتاجية في اسفي …هل هي علاقة مهنية تتغيا الصالح العام ومصلحة المدينة …أم هي تلك العلاقة التقليدية التي تجعل الصحافة في خدمة من يدفع جزيلا وأكثر ….
الزميل الجدياني تطرق خصوصا لبعض المسؤولين عن التواصل الذين يعتقدون أنفسهم أذكياء داخل “لوصيبي” ويتلاعبون حتى بالمسؤولين محليا ومركزيا بتقديم حقائق غير مضبوطة أو تهميش الصحافة الملتزمة بالمهنية وأخلاقياتها ….وزيادة شحمة الدعم لمواقع معروفة لماذا أنشئت والادوار المكلفة بها ….لعلها ورقة تستحق الانتباه والقراءة …………..
………………………………………………….
في العدد الثاني من جريدة “أسفي” التي صدرت في 15دجنبر 1964 كتب مديرها المرحوم عبد الله الناصري في افتتاحيتها مقالا تحت عنوان ” المدينة لا تستفيد من المعادن التي تصدر منها ” ، و هي أول جريدة محلية تصدر من منطقة عبدة وتحمل اسم “أسفي “… من قرأ المقال بالجريدة المذكورة قراءة حصيفة ، يدرك أن الموضوع مبني على الجرأة والمصداقية في التحليل . فصاحب المقال تحدث في ذاك الزمان عن البطالة .. الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم ..وعن البؤس الثقافي لأسفي ، وتطرق إلى أهمية ميناء أسفي في الاقتصاد الوطني ، وأشار كذلك إلى المعادن التي تزخر بها هذه المنطقة الغنية بثرواتها .
وبعد 58 سنة من المقال المذكور ، وتزامنا مع حلول السنة الجديدة 2022التي هلت علينا هذه الأيام ، و بعد كل هذه السنين من حقنا أن نتساءل ماذا تحقق في أسفي ؟ آو بعبارة أصح ماذا تغير ويستحق الإشادة والتنويه ؟ أين وصل قطار التنمية ؟ وهنا استحضر مقولة” ما قدهم فيل زادوهم فيلة “.. كما يقال ، بعد سنة من كتابة مقال ” المدينة لا تستفيد من المعادن التي تصدر منها ” تشهد المدينة تدشين المعامل الكيماوية بأسفي الذي تم في سنة 1965 م .
وفي ذلك الزمن تداولت أخبار على أن أسفي ، سوف تصبح قطبا صناعيا كبيرا، وأن الساكنة سوف تستفيد من بنيات تحتية مهمة على جميع المستويات .. الصحة والتشغيل طرقات و منشات ثقافية فنية ورياضية وبيئية ووو. إلا أن ذلك كان مجرد كلام ليل يمحوه النهار ، كان مجرد كلام إعلامي استهلاكي ، لا أساس له على ارض الواقع ،والى اليوم لازالت اسفي تستنزف خيراتها وثرواتها من اجل تنمية مناطق أخرى .
فأسفي التي حباها الله ، بموقع جغرافي رائع ، وبثروات هائلة وخيرات عظيمة ، يصعب الحديث عنها في هذه الورقة أو حصرها في كتاب مسطور ، إلا أن ساكنتها ، تعيش الفقر والعوز والحرمان على جميع المستويات. وينطبق عليها قول الشاعر ” كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ أي العطش والماء فوق ظهورها محمول ” وتشير بعض الإحصائيات ، أن نسبة البطالة بأسفي تجاوزت 30في المائة ، وان حال المدينة الهش هو نتيجة سياسة فاشلة لأشخاص تمكنوا من الامساك برقبة المنشات الاقتصادية الكبرى بالمدينة ، وتفتقت “عبقريتهم “على مقولة “كم حاجة قضيناها بتركها “، ولهذا ولغيره كثير تخلفت المدينة عن قطار التنمية الذي انطلق في عدد من المدن المغربية . وظلت الأزمة قائمة إلى اليوم ، وعن الحالة التي وصلت إليها المنطقة . توترات تخترق الساكنة وغضب الشارع وسخط العامة . وهنا يأتي دور الإعلام المحلي من كل هذه القضايا ؟ أين هو ؟ هل هو حاضر في قلب هذه القضايا الكبرى ؟ وهل هو غائب عنها آم مغيب ؟
وبحكم أن الإعلام المحلي والجهوي هو إعلام القرب ،اتذكر هنا في التسعينيات كتب الصحافي نور الدين مفتاح في جريدة “مغرب اليوم ” وأنجز تحقيقا عن المعامل الكيماوية تحت عنوان ” تشرنوبيل أسفي ” سارت بذكره الركبان ، ثم جاءت جريدة الصباح وتطرقت في تحقيق خاص حول ” أضرار التلوث على صحة ساكنة أسفي ” ونال التحقيق الصحفي سنة 2003 من انجاز الصحفية ضحى زين الدين وكاتب هذه السطور .. جائزة أحسن تحقيق . وفي سنة 2006 جاء على رأس مؤسسة المجمع الشريف للفوسفاط المدير العام “مصطفى التراب “، .. وللحقيقة والإنصاف هذا الرجل الذي يعترف له الكل القاصي والداني ، انه قام بمجهود جبار وشهد المجمع الشريف نهضة واسعة ، ابتداء من الاعتناء بالعامل وتحسين ظروف العمل.. إلى البحث عن أسواق خارجية والرفع من المنتوج والمداخيل ، وقاد المجمع OCP في زمن كورونا ، حيث شهد فيها العالم كله ازمة اقتصادية خانقة ، بحكمة ومسؤولية عالية ، قاد المؤسسة الى بر الأمان. الجميل في هذا الرجل اي المدير العام السيد” مصطفى التراب ” انه يؤمن بالنقد البناء الهادف الذي ينشره الإعلام المغربي .
لكن قد تصاب بالاندهاش عندما ترى وتسمع وتقرا ما يقوم به أشخاص محسوبين على الاتصال ب contactmedia@ocpgroup.ma ..بمعاقبة كل منبر إعلامي لمجرد تلميح وليس انتقاد OCP ، تصبح من المغضوب عليهم ، تقفل حنفية الإشهار والاعلانات ، ويقوم القائمون على علبة الاتصال contactmedia@ocpgroup.ma بحذف اسم المؤسسة الإعلامية .الى درجة أنهم يحرمونك من مستحقاتك المالية التي هي في ذمتهم ، وهذا ما وقع لجريدة “أسيف الورقية” عندما تحدثت بشكل واضح وصريح عن الحوادث المميتة داخل المجمع الشريف للفوسفاط وتطرقت لموضوع الماء الخانز بأسفي . والذي يعد موضوعا خطيرا جدا سوف نتحدث عنه في العدد القادم . ويعتقد هؤلاء أن طريقة العقاب هاته قد تؤتي اكلها ، إما أن تخرس وتغمض عينيك وتقول العام زين ، وإلا الويل والثبور ، الطريقة تنم عن غباء وبؤس وقصور في التفكير والتخطيط ..بل حماقة في التسيير. وهذه الطريقة عفا الزمن عليها .
لكن الخطير والمدهش هو أن القائمين على الاتصال الإعلامي بالدار البيضاء ، تعاملوا مع الإعلام المحلي بأسفي ، معاملة فضة وباستعلاء ولا يحسنون التواصل ، والأخطر أنهم يتصرفون في أموال طائلة مخصصة الإعلام ، وتراهم يرتكبون أخطاء في رقن الفواتير التي تطول بسبب التصحيح لمرات عدة، وقد صدق من قال إذا اسندت الأمور إلى غير أهلها وهي غالبا ما تكون عن طريق الزبونية والمحسوبية عندها ..فانتظر الساعة .
في السابق كان الاتصال قائما بين الإعلام المحلي مع شركة “كنز ميديا” مختصة ولديها خبرة في حل المشاكل و حسن التواصل ، فتم تغييرها وجيء برهط لا نعرف عنهم شيئا ينطبق عليهم قول العامة” ما تبدل صاحبك غير بمكرف منوا ”
قد يقول البعض ويتساءل أين هو الإعلام المحلى ؟ وعن أي منبر إعلامي نتحدث ؟ وبنبرة حادة يخاطبك على انه إعلام غير مهيكل ، ضعيف ينشر الأخبار الزائفة ، يفتقد إلى المصداقية ، به أورام خبيثة يجب استئصالها…الخ . و قد يقول الأخر: نحن نرى ونسمع ونقرأ ما ينشر فيه من تشهير وقذف و ابتزاز ونصب واحتيال وتنابز بين المواقع. وما يتناوله من مواضيع مجرد لهو وقتل للوقت ومضيعة للعمر.ويكاد يتفق الكل على إن الإعلام المحلي هو إعلام ضار وهدام وهابط . وهو اليوم يعتمد على البوز وعلى التوتر وأصبح بارعا في قلب الحقائق ، يسير ” بتيلي كوموند” ، يرفع الخسيس الفاسد ويهاجم نظيف اليد والقلم ، وأصبح يبحث عن رفع نسب المشاهدة عن طريق الشوهة والقذف ونشر الغسيل للبيوت تحت بند ” أن الجمهور أي المشاهدين عايزين كدا” يبحث عن المال والشهرة . علما أن نسبة المشاهدة ليست مقياسا على جودة المنتوج بل على المصداقية والنزاهة ومدى احترام أخلاقيات المهنة وهذا موضوع يطول فيه الحديث .
لكن في رأيي الشخصي، الإعلام المحلي هو ذلك الإعلام المجنى عليه ، مظلوم وهو ذلك الحائط القصير الذي يقفز عليه الكل ، وهو الذي يضرب على بطنه وليس له سند يحميه خاصة في أسفي . وما يتناوله الإعلام المحلي من مواضيع التي يعتبرها صواريخ ارض أرض ، آو سكوب هي مجرد نطحات ثور في القطن . وهذا قدره وإمكانياته لهذا أقول ولازلت ان الإعلام المحلي في أسفي ، يحتاج إلى أن يرتقي بمنتوجه الإعلامي ، هذا دور النقابة الوطنية للصحافة المغربية ،والمجلس الوطني للصحافة ، وفيدرالية الناشرين وكل الفعاليات والجمعيات الإعلامية ..
إذن لابد من التكوين واكتساب المهارات والقدرات ، ولابد من تأهيل المقاولات الإعلامية ، ومن تنظيم يوم دراسي حول معاناة واكراهات الإعلام المحلي . وكل هذه المقترحات جاءت في المناظرة الأولى للإعلام من طرف الوزارة الوصية سنة 1993 م ودونها في تقرير خاص الراحل العربي المساري ، ولازالت توصيات المناظرة حبيسة رفوف الوزارة إلى اليوم . سيظل الإعلام الجاد فلفل في دبر الفساد، سيستمر في الحديث حتى تحقيق التنمية المنشودة…وكم من بقرة “ستطيكك “لدى وصول صهد الحار إلى أعصاب مؤخارتها …….وتلك الأيام بيننا .
يتبع