هي ورقة اعلامية حاولت وتحاول تفكيك تفاصيل مايقع باسفي.. بشكل موضوعي يكمن وراءها نفس تحليلي.. نفتقده في بعض الأوراق الاعلامية التي تسمي نفسها صحافة إلكترونية… همنا في جريدة آسفي اليوم… استدعاء أقلام نظيفة و واعدة في عالم الكتابة الرصينة والنبيلة… لعلها واحدة من الكتابات القادمة على مهل….
بقلم نصرالدين بوعودة
فاجعة بكل المقاييس تلك التي حلت بآسفي الأسبوع الفارط، إثر غرق أحد قوارب الموت.. يحمل فوق خشبه المتآكل شبان في عمر الزهور من آسفي ومناطق مجاورة.. ممن ذاقوا الموت لمرات عديدة على اليابسة حتى جاء الخلاص بحرا، ليتركوا وراءهم أمهات مكلومات و عائلات مصدومة وأحلام شاردة.
فساد محلي وراء غرق الشباب و المدينة في البر كما البحر، فالحاضرة رهينة لسياسة تلك ” الفئة الطفيلية” التي تسيطر على الثروات المحلية و على القرار الإنتخابي في اجواء من النهب و الفوضى تتجاوز ما قد يتخيله البعض.
أولا.. “النخبة العفنة”
تجاوزا نقول النخبة وهي شرذمة قذرة تتحكم في كل ربوع المدينة همها الوحيد الحفاظ على إمتيازاتها وريعها الإقتصادي.. في المجالس المحلية كما المقاعد البرلمانية.. فئة هجينة بعيدة كل البعد عن الوظائف المناطة بأهل السياسة، لسبب بسيط هو أن هؤلاء لم يتمرنوا على الفكر الديمقراطي و على الثقافة الحقوقية ولا تهمهم التوجهات الإستراتيجية للدولة.
ويكفي أن نرجع الى التقرير الصادر عن المديرية العامة للجماعات المحلية لمعرفة دناءة هذه الطبقة من المجتمع، والذي يفيد على أنه من أصل 30 ألف و 663 مستشارا يسيرون شؤون الجماعات بالمملكة 4739 منهم لم يلجوا المدارس في حياتهم، و عن نفس التقرير فعدد المستشارين الذي لم يتجاوز مستواهم الدراسي الإبتدائي يصل إلى 8792 مستشارا في الجماعات و 212 في العمالات و الأقاليم و 44 في مجالس الجهات، هذا بغض النظر عن عدد المستشارين الذين لا يمارسون أي نشاط، وهم في خانة العاطلين عن العمل أو “بدون” والذي يصل عددهم إلى 1548 مستشارا في الجماعات و 20 في الجماعات والأقاليم مقابل 29 في الجهات.
فبعد هذا التقرير لاداعي لشرح الواضحات فآسفي محكومة من طرف الأميين و “الفنادقية” و مهربي الرمال و تجار البشر.
ثانيا.. مستثمرون إنتهازيون
الإستثمار في هذه المدينة المظلمة بتلوث هوائها و فساد مسؤوليها .. في نظر البعض هو مشروع مقهى أو معمل تصبير.. فاستغلال حاجة الساكنة للعمل يدفع هؤلاء إلى تشغيلهم بدراهم معدودات وساعات عمل طوال بلا رقيب و لا حسيب، أما البعض الآخر فمنعشون عقاريون يبيعون صناديقهم المغشوشة للطبقة الكادحة التي خلقت لتتعذب في هذه الرقعة من الأرض.. أما من تجاوزهم ذكاءا فمشاريعه لا تشغل أبناء مدينته بل تستقدم عمالا من خارج الإقليم على غرار مكتب الفوسفاط و محطة الطاقة المشؤومة.. المكتب الذي يدر الملايير ويغذي خزينة الدولة ارباحا وعملة صعبة بدون أن يظهر ذلك على المعيش اليومي للآسفيين.
فلا تنتظروا يا أهل حاضرة المحيط أن يأتي التغيير من أحد.. فإن لم يأت من أنفسكم فلن يأتي أبدا.
ثالثا…. مثقفون منافقون
رابعا…صحافة غبية ومجتمع مدني ذليل
ما يميز الجزء الغالب في الصحافة المحلية هو الأمية البنيوية وغياب الجانب الفكري والسياسي والأخلاقي لممارسيها.. هم ثلة من المتسولين الذين يعيشون على فتات الطبقة السياسية العفنة لا تهمهم لا أخلاقيات المهنة ولا مشاكل المدينة.. كل انشغالاتهم في ملأ بطونهم وجيوبهم بالحقارة.. أما المجتمع المدني بمكوناته الجمعوية و الحقوقية فهو رديف للصحافة كلاهما يقتات على فتات أشباهه من الإنبطاحيين والجبناء.
خامسا.. كلام موجه لعامل الاقليم
أذكر أنه في أول سنة في كلية الحقوق درسنا مادة النشاط الإداري والتي سوف تهمكم كثيرا.. ومن شأنها ان تنير لكم الطريق في سبيل معرفة صلاحياتكم و اختصاصاتكم.. فجل ما تقومون به في هذا الإقليم هو تجسيد لحياة الدب القطبي.. ربما نتيجة تلوث المحيط من كل الجوانب بيئيا و فكريا.
ولكي لانكون جاحدين فالاستثناء الوحيد الذي مر من عمالة آسفي هو العامل محسن التراب،و الذي مازالت إنجازاته شاهدة على مرحلته الذهبية و الهادئة الى حدود اليوم.. فالمدينة بنظر وزارة الداخلية ليست سوى منطقة تأديبية او سجنا للمغضوب عليهم وعديمي الكفاءة من أطرها.
سادسا.. حكومة فاشلة
مؤخرا منح الاتحاد الاوروبي دعما ماليا للمغرب قدره 101.7 مليون يورو لمساعدته في تكثيف محاربة الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر.. الا ان للحكومة رأي آخر فالمحاربة التي تقوم بها هي القضاء على الفقراء في المغرب بأي وجه كان وتقديم ابنائه وجبة دسمة لأسماك القرش في عرض المحيط.. فالسياسة الوحيدة التي تنهجها الحكومة في سبيل التشغيل وتوفير العيش الكريم للمغاربة هي سياسة ” طحن مو” ” النخال” و ” كلا يعوم بحرو “.
نقطة مهمة كادت ان تفوتني وهي سياسة التفقير الموجهة لمدينة آسفي على وجه التحديد.. وهنا لابد لي ان اذكركم بالمشروع الصيني الذي طار من آسفي الى طنجة، المشروع الذي كان من المفترض ان يجلب الخير الحقيقي للساكنة والذي كان سيوفر 300 ألف منصب شغل بغلاف مالي قدره 10 مليار دولار.. الا ان لطباخي الحكومة والسياسة رأي آخر، فآسفي لا تستحق منهم سوى مشاريع التلوث والأمراض المزمنة.
اخيرا..
ونحن على مقربة من إنتخابات حاسمة.. والجميع يعرف أن الديمقراطية المحلية هي حجر الأساس في أي تغيير يريد الفاعل السياسي المركزي تحقيقه.. السؤال المرتبط بهذا الكلام.. هل سوف تتكرر نفس الأغنية بآسفي الى ما لانهاية؟
هل نبني مؤسسات انتخابية تدبر الشأن العام بأدوات ريعية؟.. هل الفوضى السياسية المحلية من تدبير الفاعل المركزي؟
هل نفس السيناريو سيتكرر ؟ .. و خصوصا أن الأخبار المتواترة تفيد بقاء نفس الوجوه الفاسدة وعودة الوجوه التي كانت كامنة وهي جزء من الفساد القديم.. نفس البنية المعطوبة هي التي تستعد و توزع الخريطة الانتخابية فيما بينها ..
اسفي بتاريخها العريق .. في حاجة لقطع دابر هذا الفساد المؤسساتي و البنيوي الذي بات ينتظم في لوبيات قوية تخرب و تدمر أية فكرة ديمقراطية أو مشروع عقلاني يمس ساكنة المدينة.. فهل سيعاد استنساخ نفس التجربة؟