بقلم فؤاد غفران : باحث في جغرافية التنمية
مبدئيا يعتبر الاستثمار في التراث اداة لتعزيز الاقتصاد الثقافي، والإسهام في دينامية التنمية المحلية، واعتماد استراتيجية لحماية هذا التراث من شأنه إسناد السياسات والتدخلات العمومية، تكريسا للصناعات الثقافية والإبداعية، من خلال تشجيع المشاريع الرامية إلى تأهيل التراث وإدماجها في مسارات السياحة الثقافية، وتشجيع المقاولات على التخصص في المهن المرتبطة بالتراث. في هذا السياق وعلى اعتبار كون قصبة القئد عيسى بن عمر تراثا ماديا ذي قيمة استثنائية، تبقى الدعوة ملحة اليوم اكثر من أي وقت سابق لتحصين هذا الإرث الحضاري الذي هو اليوم بقايا وأطلال لمعلمة كانت تعد واحدة من أبرز المعالم التاريخية التي تختزل جانبا مهما من التاريخ القايدي بعبدة، حيث تركت لمصيرها تقاوم الزمن وتنتظر من يحقق أمنية المقطع العيطي القائل ” دار السي عيسى كالوا خلات/ مقابلة المعاشات/ المخزن يجددها…”.
وهي الدار التي كانت تقوم بوظائف عديدة، فإلى جانب أنها قلعة محصنة للدفاع عن أسرة القائد من أي اعتداء محتمل ، فقد كانت اشبه بقرية صغيرة، وهو ما يتبين من خلال مرافقها المتعددة.حيث تضم مرافق للسكن والإقامة وحوالي ثلثي القصبة، هو عبارة عن دور لسكنى أبناء القائد ، وأبناء أخيه وباقي أفراد أسرته، وقدرت هذه الدور بما يفوق عشرين دارا، كانت كلها متوفرة على المستلزمات الضرورية للسكن.ومن أهم هذه الدور دار القائد وهي الدار المخصصة لحريمه، وتتكون من ثلاث طبقات على النمط الفارسي، وبالأسفل روض مربع به أربع قباب بها زليج ممتاز، وسقوفها الخشبية مزخرفة بالنقوش، وبوسط الدار نافورة تتدفق منها المياه، والطابق العلوي عبارة عن “مقصورة” بها غرفتان تطلان على فناء شاسع.إضافة الى أجنحة مخصصة لاستقبال الضيوف وإقامة الولائم.
وفيما يخص تثمين هذه المعلمة فهذا يتحقق من خلال إعمال مقاربة تشاركية، على اعتبار أن حماية التراث والنهوض هي مسؤولية الجميع، نهوض لا يتاتى الا من خلال جملة من العمليات القانونية والتقنية الفنية والبحثية الاكاديمية يمكن تلخيصها في تعزيز المعرفة هذا الموروث عن طريق أعمال أكاديمية وعلمية رصينة؛ وتدوينه وتصنيفه و اعتماد مقاربات تحسيسية وتثقيفية للمحافظة عليه وإعادة تأهيله وتثمينه وترميم مايمكن ترميمه وإعادة تشكيل الأجزاء المفقودة طبق الأصل بما يضمن المحافظة على الطابع الأصيل للمعلمة، وتعزيز التوعية والتثقيف بسبل الحفاظ عليها، وكذا تسخير التكنولوجيا الرقمية وتنظيم الأنشطة للتعريف بهذا التراث، التي تبقى منوطة بجمعيات المجتمع المدني خاصة تلك العاملة في الميدان. ولا يخفى على احد أن الاستثمار في مشاريع التراث صعب ومكلف، لكن مزاياه تكون تنموية بامتياز.
في هذا الصدد يمكن تحويل الدار في حال تاهيلها الى مزار سياحي بامكانه استقطاب أنشطة اقتصادية ذات الارتباط بخدمة الزوار والمستكشفين، وكوعاء لتراث لامادي الا وهو فن العيطة التي عرفت القها في عهد القائد حيث يمكن استقبال فرق ومجموعات هذا الفن لتقديم الفرجة لزوار الدار، وبالتالي خلق نوع من الرواج يمكنه إعادة احياء هذه المعلمة وتحقيق عائدات مهمة منها يمكنها المساهمة في تحسين الأوضاع المعيشية للساكنة المحلية في اطار تنويع الأنشطة المدرة للدخل في المجال القروي وتشجع الشباب على الابتكار في مجال الصناعة السياحية.