“ألا ليث الشباب يعود يوما ……….فأخبره بما فعل المشيب ” ,عبارة تظهر على محيى بن الأثير و أنت تقابله للمرة الأولى ..وجه امتص التدخين احمراره ..أخفى ملامحه ..و اخترقت تجاعيده الأيام ..شعر تبقى القليل من شيبه.. أعطى في الزجل الشيء الكثير..كتب,ألف,وأخرج العديد من المسرحيات ..لكن بصمته في الزجل تبقى فريدة.. معاني قصائده عميقة تنم على حس ابداعي و على دراية بالتراث العبدي في وقت أصبح فيه “الزجالون كثر, لكن الزجل قليل” كما يقول الزجال ادريس بلعطار.
ازداد عبد المجيد بن خالي الدي اشتهر ب “ابن الأثير “قي العاشر من أبريل سنة ب “شارع الرباط” 1954من والده ادريس بن خالي الذي كان منخرطا في الحركة الوطنية و أول مؤسسي نقابة البحارين بآسفي و المغرب , و من والدته التي كانت ربة بيت “علمتنا كيف نحب و نعشق هذا الوطن “قالها ذات مقهى في آسفي و هو يفتخر حاملا فنجان قهوته بيده التي أصبحت ترتجف من الكبر.
عاش مدة قصيرة بشارع الرباط قبل أن ينتقل ليس بعيدا الى “تراب الصيني” رفقة والديه خائضا معركة الحياة بكل تفاصيلها بحلوها و مرها ..درس التعليم الابتدائي بمدرسة النهضة الاسلامية التي أنشأت آنذاك ضدا على المدرسة الفرنسية و من تمة انخراطه في دور الشباب التي ستربطه بالمسرح .
أكمل دراسته بثانوية الهداية الاسلامية بآسفي ..و هو يدرس كان يشارك في مسرحيات ,يكتب, ينتقد ويصحح.. و حين سئل عن كتابته للزجل قال بحشرجة نبرته عبارة لا زلت أذكرها ” في المسرح تعلمت الزجل “.
حصل على شهادة الباكالوريا سنة 1972 في الأدب العربي ..بعدها سافر الى بغداد ليدرس الصحافة ..لكنه عاد بعد سنة بآمال مكسورة اثر سماع وفاة والده فعمل مراسلا لمجموعة من الجرائد الوطنية نسرد منها ..العلم ,بيان اليوم …و كان أيضا يكتب ركنا بعنوان “مسافات” يعالج فيه ظواهر اجتماعية بنكهة أدبية.
حين مات والده و هو يحاول أن يكتب في الزجل انبعث ابن الأثير سهما قويا .. ثائرا ..عاشقا ..مجنونا.. متأسفا للعبديين بقصائد تحمل في عمقها بعدا سياسيا و غلوا وجدانيا تجعل الالهام يختلج صدرك و الأفكار تراودك حين تنصت اليها ..بين الفينة و الأخرى كان يسمعني ما تذكر منها و هذه التجربة تتحدث عن السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي يقول عنها زجالنا “كان شعرا ثوريا , عاريا لا رموز فيه” نعطي مثالا منها” لا بد فيوم يطل الربيع ..يعطينا اجوابو .. يموت الشوك ..يعود الطير يكسينا باتوابو .”
كانت قصائده لا تخلو من ابداع فني و بلاغة بطريقة تعتمد التركيز على الكلمة الحرة المبدعة ..يقول في قصيدة “بريت عليك” …” اشكون يسرج هاد الليل ..يكون علام في اركوب الخيل ..”أيضا..” شافت العين.. الزين ادبال .. طاحت الشمعة ..علقوا لكلام..و الحرف المعني ..في الريح تعطل “.
لم يقتصر على الكتابة في الزجل بل كتب في الفصيح العديد من المسرحيات كمسرحية “عندما يصبح عنترة فارسا”و مسرحية “النقطة” بينما مسرحيات أخرى قام باخراجها..مسرحية “الجنون”و مسرحية “المخاظ”..و اللائحة طويلة.
بحث في أصول التراث العبدي ..غاص في قاع “العيطة” و استقى من معانيها ما ألهمه ليخرج أول تجربة له ديوان بعنوان “شي حاجة بحال لكلام”..أمسك القلم بيده اليسرى دون العنوان على مذكرتي و هو يبتسم ..أما ديوانه الثاني لم يكتب له النشر بعد و قد اختار له “نوضونضربواشي فال ” عنوانا.
يقول أحد الذين تتلمذوا على يده ” كان يتنفس فنا و لديه حماس منقطع النظير في العمل المسرحي و يمد يد المساعدة للشباب “فيما يضيف أحد الزجالين ” ابن الثير لا يطيق ان يرى ورقته ملئي أو فارغة و القلم لا يفارق أصابعه ,فهو انسان كتب لكي يعيش و عاش لكي يكتب “.
ها هو اليوم يكتب ما تبقى من قصائده ..تاركا مادة خصبة تحمل الكثير من المعاني في طياتها ..ناقشا اسمه من ذهب في ذاكرة التراث العبدي كأول زجال في مدينة آسفي.
امبارك أبوفاطمة