تلاعب في لوائح برنامج أوراش بأسفي .

4,004

بقلم / سعيد العبدي

ما يحدث هذه الأيام في عمالة أسفي،  من تغيير كلي في مجموعة  من  لوائح الجمعيات المستفيدة من برنامج أوراش ، يذكرني بمهزلة الانتخابات البلدية لسنة 1976 بأسفي ،  حيث أقدمت السلطات آنذاك يسحب لائحة الفائزين المنتمين إلى  تيار اليسار، وتعويضها بلائحة أخرى وبأسماء جديدة .. وهكذا بين ليلة وضحاها، ما بين وقت الغروب وطلوع الشمس ، تغيرت اللائحة ونشرت أخرى على سبورة المجلس الجماعي لأسفي …و إلى يومنا هذا ظلت هذه الواقعة محط استهزاء وسخرية الرأي العام المحلي.  نفس السيناريو يتكرر  اليوم ، وفي المطبخ ذاته  ” عمالة  إقليم أسفي ” وان كانت سابقا مقرها مندوبية الفلاحة  الحالية . وسبحان الله ما أشبه الأمس باليوم .. رغم ان المغرب خطا أشواطا كبيرة في مجال الحقوق ، والقطع مع العهد البائد والاستبداد ، نحو البناء والنماء والأمان . وفتحت أوراش كبرى على أكثر من صعيد، وتحققت على أرض الواقع  إنجازات هامة على المستوى الوطني  ، كما تم الإعلان  عن  برامج ومبادرات جادة ، من قبيل برنامج ” همزة ” و ” أوكسجين ”  وفرصة ” و انطلاقة ” و ” اوراش ” .. ، والتي كان المبتغى  منها هو  النهوض ومساعدة المواطنين ذوي الدخل المحدود وخاصة المطرودين من العمل بسبب جائحة كورونا ،  وهي اليوم  تعاني من مشكلتي البطالة وارتفاع الأسعار . فليس هناك أصعب من إنسان  قادر على العمل  ولا يجد فرصة  عمل وهو رب أسرة ، أو شخص يحتاج إلى شراء مواد أساسية ولا يستطيع  أن يشتريها من سكر ودقيق وزيت وشاي فما بالك بالحصول على ” حولي ” العيد الكبير لا اقول خروف اقرن  وأملح . . إنها مأساة وأية مأساة .

المبادرات إلتى اتخذتها الحكومات المغربية  المتعاقبة ، جاءت بناء على دراسات عميقة وتجارب كاملة  وحوارات وافية ،  قام بها مختصون اقتصاديون وكفاءات عالية وخبراء كبار ، المغزى منها امتصاص  آفة البطالة . وشحن معنويات المواطنين بالأمل  والتفاؤل ، ورفع روحهم المعنوية . إلا أن هذه المبادرات في بعض المناطق فشلت وذهبت في مهب الريح ، وأضحت مثل الذي يحرث في البحر ،خاصة في مدينة  العجب العجاب أسفي .

ومثال على ذلك ، برنامج أوراش بأسفي .. تقدمت ما يزيد عن 340 جمعية مدنية بمشروعها للجهة حاملة المشروع وهي  المجلس الإقليمي ، وتم انتقاء 77 جمعية ، نالت حصة الاسد دائرة سبت جزولة ، منطقة رئيس المجلس الإقليمي وهي كما نعلم ” الخزان الانتخابي “.. المثير ان  جل الجمعيات احترمت المساطر المعمول بها بعد القبول ، من نشر الإعلان التوظيف المؤقت  ، حسب الشروط و مجال وتخصص كل جمعية ، وتوصلت  السلطات المحلية باللوائح  حيث نالت موافقتها ، إلى هنا كل شيء جيد وجميل . إلا أن أصحاب الجمعيات التي حضيت بالمشروع تفاجأ في العمالة بتغيير اللوائح  وإرغام رؤساء بعض الجمعيات بالمصادقة والتوقيع عليها، الشيء الذي رفضه البعض واستنكر العملية برمتها .

و تفيد الأخبار المتداولة أن رئيسة جمعية من منطقة جمعة اسحيم لما احتجت بالصوت العالي تم التراجع عن تغيير لائحة ” المستخدمين ” .. كما أن العديد من الجمعيات تعرضت لهذا السلوك الذي وصف ” بالارعن ” . البعض تقبل الأمر على مضض والتزم الصمت وكما نعرف السكوت من علامات الرضى .

إلا أن نجم المبادرة يبقى هو مندوب الصحة القادم إلى أسفي من مدينة انزكان  ، بعد الكوارث والاخفاقات  والمشاكل التى افتعالها هناك،  لدرجة  أن الكل كان  ينتظر إعفاءه ، فإذا بوزارة الصحة تزف لنا خبر تعيينه مندوبا  بإقليم أسفي .. و قد يقول قائل :  لماذا أسفي ؟ وهذه قصة يطول شرحها ، اسفي  مدينة مهلهلة ، مدينة الأشباح على رأي ابن هذه المدينة المخرج  السينمائي نور الدين الخماري ، ورغم أن أسفي تتوفر على ثروات كثيرة وإمكانيات هائلة ، إلا أن ساكنتها تعيش الفاقة  والبطالة  و تحولت إلى مدينة لرمي الكلاب الضالة للمدن المجاورة ، وإغراقها بالمهاجرين السريين الأفارقة، وبالمتسولين والمتشردين ، ….الخ  و هنا على الصحافة الشريفة والنزيهة ان تتطرق لهذه المواضيع وتكشفها بأمانة وشجاعة وبلغة قوية ،  بلغة لا تعرف التبرج  ولا المكياج  والرموش والرتوش .  

نعود إلى مهازل التلاعب في لوائح برنامج أوراش بأسفي ، والتي كان بطلها مندوب الصحة ..في الوقت الذي وصلتنا أخبار عن مناديب ورؤساء مصالح رفضوا الدخول في هذه اللعبة ، كالتعليم والأوقاف والفلاحة والثقافة والتعاون الوطني. ورفضت عملية تغيير اللوائح ، لان العملية هي مبادرة  وليست توظيف ، بينما مندوب الصحة يقول على المرشحين ان يكونوا حاملين للدبلومات والشواهد العليا ويضرب مثلا بالمرشحين في اوراش الصحة حيث يشترط توفرهم على دبلوم التمريض . وهذا يتنافى كليا مع شروط ومرامي البرنامج . وهكذا وجدت الجمعيات  نفسها بين نازلتين اما الرضوخ  لأوامره ، وإما تشطيب عليها نهائيا وعدم التعامل معها مسقبلا . وكل هذا وقع أمام وبدعم من رئيسة القسم الاقتصادي بعمالة أسفي ، والتي اعتبرت ان كل شيء يهون أمام  مصالح المدينة ،فهؤلاء هم  أدرى وأعلم  والأقدر على التخطيط السليم . 

 وأمام هذا الوضع رفض مجموعة من رؤساء الجمعيات التغيير في اللوائح ، وقالوا بصوت واحد لا  وألف لا ، لن نأشر على أسماء لا نعرفها  ولم نختارها ، ونحن بريئين منها براءة  الذئب من قميص يوسف عليه السلام ،وهنا تفاجأ المندوب  وأصيب بالذهول والحيرة ،  فهو الذي كان يعتقد أن المجتمع المدني بأسفي قاصر، ويمكن الحجر عليه ،رغم ان  بعض الجمعيات  رضخت لأوامره وللأسف التزمت الصمت و (  السكوت من ذهب ) .

فماهي مبررات مندوب الصحة حول قرار تغيير اللوائح ؟

حسب المقربين منه ، فان المندوب يبحث عن إيجاد الحلول للمشاكل  الصحية المزمنة في أسفي ، وأن هناك ممرضات متطوعات هم أولى بالاستفادة ، كلام جميل إن صدق صاحبه . لكن جهات من داخل المستشفى تكذب ذلك وتقول أن داخل مستشفى محمد الخامس  مثل دار الشباب ، ثلاثة جمعيات منحت لها مقرات داخل المستشفى ، لها استقلال مادي وتوظف مجموعة من الممرضات والأطر ، وتضيف مصادرنا أن مجموعة من الممرضات المتطوعات بالمستشفى تكفل بهن برلمانيون ومحسنون .  فهل يعقل ان نفرض على جمعيات مختصة في السرطان والتوحد والسكري والإعاقة توظيف أصحاب الشواهد في إطار برنامج اوراش ،

من جانبه عبد الله بن تومي عن جمعية ماقيش كرامتي،  إعتبر تغيير اللوائح أمر خطير ، فالمجتمع المدني مستقل والدولة تقدمت ببرنامج اوراش من اجل امتصاص البطالة وزرع الأمل في نفوس المواطنين ، وأن التوجه العام للدولة هو منح المجتمع المدني ملف التشغيل على غرار مجموعة من الدول الاوروبية مثل المانيا والدانماك وكندا وهولاندا والتي لديها تجارب رائدة ، وأضاف بن التومي أن المجتمع المدني في فرنسا أحدث خلال سنة حوالى 100 الف منصب شغل ، وعلى هذا المنوال المغرب يتجه نحو العبور إلى مرحلة بناء الثقة والنهوض  بالتنمية الاقتصادية . ويبقى دور المصالح الحكومية هو  تقديم الاقتراحات والتشاور والتتبع  مع الحياد الايجابي . لكن المسئولين الذين يلهثون وراء مصالحهم الخاصة ، هي التي أوقعت المبادرات الاقتصادية  الكبرى في حفرة واسقطت مصداقية  البرامج في الهاوية . وجعلتنا نعوم في بحر من الفساد.

 

 

 

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في شأن محلي
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

حي الرياض بأسفي بلوك 10, 12 بدون كهرباء الثلاثاء 26 نونبر 2024