بورتريه ..
غوارديولا كاسر “الاصنام” الكروية ..
..حتى في الرياضة ..أثبت أن التاريخ لايكتبه الجبناء ..
محمد دهنون
هو فلتة لاتتكرر دائما على ركح التاريخ ..قصة رأس ليس ككل الرؤوس ..بصلعة متمردة ونظرة واثقة تعرف ماتريد .. حاجب نافر ,,جبين مخروط بخطوط ..يحكم الدكة ..ينزل فلسفته التي لم يضاهه فيها لحدود اليوم أحد من مدربي العالم ..
بيب غوارديولا المدرب العالمي الشهير الذي بقي وفيا لمخرجات الكرة الشاملة في الاراضي المنخفضة مع الراحل يوهان كرويف ..كان لاعبا عاديا في فريق برشلونة..لم ينجز الشيء الكثير في مسيرته الاحترافية الموزعة بين إيطاليا وإسبانيا والخليج , ظل موهبة غير ملهمة إلى أن قرر ولوج عوالم التدريب .هنا أصبحنا أمام ظاهرة غير مسبوقة في التجريب والابتكار والقيادة في ملاعب المستديرة ..
الفتى الاصلع أعلن منذ وقوفه على خط التماس في المستطيل الاخضر ,أنه يريد كرة وأسلوب لعب مغاير للمألوف ,يريد تنزيل فلسفة جديدة في اللعب , لايجب الجلوس داخل وفي الخطط الكلاسيكية المعتمدة ..بل لابد من التجديد ..والتغيير يحتاج إلى ثورة ..والثورة تحتاج لرجال معينين ينتقون( بضم الياء) بعناية محكومة باستراتيجية واضحة الاهداف والغايات ..
كانت بدايته فرصة لم يضيعها على الاطلاق ..تخلصت إدارة البلاوغرانا من المدرب الهولندي المعروف ريكارد لتسلم المقاليد لشخص غير معروف وقتها ..في فترة قياسية قام بنشر خطته ..التخلص من أسماء كبيرة وقتها ..زلاتان أو إبرا السويدي ثم أتبعه بالكاميروني إيطو ورونالدينو البرازيلي..لاعبون لايستطيع أي مدرب “عاقل” تركهم يذهبون ..لكن ماكان في رأس بيب لم يكن في مخيلة الجميع …في القيادة لابد أن تخلق أعداء ..حتى ولو لم يكونوا ستصنعهم الاحداث …إنها “الثورة ” ياسادة ..؟؟
في موسم أول سداسية وفي أربعة مواسم حصل مع برشلونة ‘لى أربعة عشر لقبا محليا وقاريا وعالميا ..صنع فريقا ولافي الاحلام يقوده وسط لن يتكرر هو القوة والعقل والمفتاح والقفل لاي خطة ..تشافي إنيستا وبوسكيتش ..نفس الفريق الذي رتب تفاصيله مع إضافة البرغوث الارجنتيني ميسي هو من سيفوز باسم إسبانيا بكأس العالم وكأس أوروبا …إذن ماصنعه غوارديولا جعل امتداده وتأثيره ليس فقط وسط الكاطلون ..بل غير التاريخ في شبه الجزيرة الايبيرية ..وأعلن عن ميلاد جيل جديد من المدربين لايتخلون بالضرورة عن القديم ..لكن ليسوا ملزمين بتقشير وطبخ وأكل نفس البطاطس بنفس طريقة الاسلاف؟؟ ..هكذا كان ..وهكذا خرجت كرة جديدة مبنية على المتعة والاحتكار وإرهاق الخصم دون السماح له بأخذ المستديرة ..مع الفعالية والنتيجة ..خليط بين السيليساو البرازيلي والصرامة الايطالية والمتعة الهولندية دون السقوط في ثقافة اللعب المعروف بالكرات الطويلة والقوة البدنية والنفس الطويل عند الالمان والانجليز ..أو مانصطلح عليه في مغرب سبعينيات القرن الفائت ب”اضرب واتبع”..
الفتى الاسباني رسخ فلسفته وبدا واضحا أن الامر لايتعلق بالصدفة أو حظ كثير ..بل هناك مقومات مرحلة مؤسس لها بعناية وأناة وتفكير عميق ..لم تتاخر البوندسليغا في استدعاء هذا الثائر الكروي ..على الاقل يمسد عضلات الالمان ويرخيها على الابداع والمتعة بدل التجمد في خطط القوة وترقب الفرصة و”المعقول” الآري ..أخذ بايرن ميونيخ ..نحت طريقته المبنية على التحكم وحوله إلى آلة هو الذي تركه له “يوب هانكس” الفائز بثلاثية تاريخية ..بمعنى أن التحدي الذي كان أمام غوارديولا لم يكن بالهين ..وراءه يجلس “علماء” في الكرة الالمانية ..بيكنباور ورومينيغي ومولير ..أسماء لاتقبل العبث بالتراث البافاري ..ومع ذلك أسلسوا القياد للاصلع وتركوه يقلب ويشقلب حتى اهتدى للتوليفة التي جعلته يسيطر في البطولة الالمانية ..بل لم تستطع الفرق الكبرى مجاراته ..حقق كل شيئ وانسحب تاركا بصماته هناك ..والوجهة بطولة الانجليز التي دخلها من باب السيتي التي يلعب بالاموال والدولارات لعبا …ماعلينا ..
عندما وصل إلى مانشستر وجد فريقا يعج بالنجوم ..لكن ليست الشاكلة والتشكيل التي يريد ..فتح الباب للمغادرين الذين لن يتلاءموا مع عقليته وطريقة تفكيره ..طالب بجلب لاعبين صغار مغمورين ..لاأحد يتحدث عنهم ..وصنع التوليفة التي مايزال إلى حدود هذا الموسم يواصل بها التحدي ..يسيطر ..ينتصر ..يصرخ … اليوم تحداه ويتحداه مساعده وتلميذه أرتيتا الذي تركه وذهب لارسنال..وهو يتربع وإياه على سدة الترتيب في بطولة الموسم الحالي .. يبدو أن غوارديولا استفاد ربما من الدرس ..والذي مفاده لايمكن اللعب على كل الواجهات ..ولايمكن تكرار و إنجاز ماتحقق مع برشلونة ..وبالتالي لابد من “الخروج” وعدم المنافسة على كل البطولات مع التركيز غير المعلن على إقصائيات الكأس ذات الاذنين ..والمقصود عصبة الابطال …هذا مايبدو من خلال التتبع الحثيث لما يقع اليوم مع غوارديولا أو من خلال تصريحاته المبطنة …
مدرب عالمي ناجح بكل المقاييس ..نحت اسمه عميقا في تاريخ الكرة العالمية ..جاء من الخلف وآمن بالوصول الى المقدمة ..مصر على تسويق أفكاره والدفاع عنها والفيصل هو”البوطو” والشبكة..ربما القائد يحتاج لفريق يدافع عن أفكاره ..والقائد يدافع عن فريق عمله ..يحضن المتفوق ويحفز المحبط ويشجع المتخاذل ..لكن مفروض عليه طرد الخائن . وهذه من أسباب النجاح في القيادة ..سواء في السياسة أو الثقافة أو الرياضة..
لعل مشروع غوارديولا بتابل مغربي صرف هو وليد الركراكي ..لو أتيحت وأعطيت وفتحت وسهلت له كل الابواب والامكانيات والثقة ..سنكون أمام نموذج مغربي محض ناجح بكل المقاييس يشبه في تفاصيله الاصلع الكاطلوني ..إن لم سيتفوق عليه ..ألم يشنق الركراكي صديق وخريج نفس المدرسة لويس إنريكي في منازلة كأس العالم الاخير ..ألم يسكت أنفاس نفس اللاعبين الاسبان في الفريق الذي ينتصر اليوم ويقود الليغا الاسبانية مع تشافي في برشلونة …
غوارديولا ملهم حقيقي والركراكي فتى ليس ككل الفتيان ..”يسرق” من كل المدارس الكروية ويزمن ويقيس ذلك بما عنده من قطع غيار ..إذا أردنا أن نحرث الساحة الكروية ..وهذه نقطة مهمة ..يجب التخلص من “الموديل” الفرنسي ..نفسه الركراكي القادم من هناك تجاوزه وداسه دون أن يتكلم عن ذلك ..غوارديولا قصة شخص قائد تستحق أن تدرس في الحاضر وللتاريخ …عاش المغرب ….