حوار مع باحث في علم السياسة حول نظام التمثيلية في المغرب

1,584

هذا الحوار نشرناه نهاية الاسبوع الماضي على صفحات جريدة “الاتحاد الاشتراكي”مع باحث في علم السياسة اختار خوض غمار الانتخابات الجماعية وحاز على التمثيلية كمستشار في جماعة مكناس..ورغم أنه يشتغل ضمن أقلية معارضة فهو يقدم  قيمة مضافة في مداولات المجلس ويعطي صورة جد محترمة عن دور المعارضة الفاعلة ..نعيد نشره في الموقع لاعتبارين أو ثلاث..

ليطلع على مضامينه أهل “الحل والعقد” في اسفي ويعرفوا اتجاهات النقاش السياسي على المستوى الوطني ويقارنوا ذلك بالتخلف الكبير الذي نعيشه في نقاشاتنا المحلية ..ثانيا ليكتشف بعض من مستشارينا في جماعة اسفي مقدار التأخر المزمن في قراءتهم للوضع وخوائهم المعرفي وفراغهم السياسي الذي يبدو قاتلا لذواتهم بما فيها الاطارات الحزبية التي يسيرها هواة في السياسة ..وليعرف ثالثا وأخيرا الرأي العام المحلي ..مع من حشرنا في هذه المدينة اليتيمة التي تداعى علي قصعتها اللئام …قراءة ماتعة ……….

م.د

د.عبد الوهاب البقالي الباحث في علم السياسة ..

  • حضور شبكات الفساد في الجماعات تمييع للعمل السياسي..

  • هنالك عجز في إنتاج المعنى السياسي لنظام التمثيلية

حاوره ..محمد دهنون

 

الجميع من فاعلين ومهتمين بتدبير الشأن العام ..المحلي منه على الخصوص..لاحظوا مقدار  البشاعات التي تأتي موثقة ومطولة بشأن مايحدث في الجماعات الترابية على امتداد جغرافية البلاد  ..”بلوكاج” في غالبية المجالس..صراعات وتطاحنات لا أول

ولا آخر لها ..تخريب وتجاوز لكل التحالفات الهشة والهجينة من وهلة التأسيس..ضرب لكل مبادئ العمل الحزبي وصورة السياسة لدى الرأي العام ..مستويات غير مسبوقة في التعاطي مع قضايا التنمية والتراب المجالي ..انهيار قيمي فظيع  في “بروفيل” المنتخب الجماعي ..كل هاته المظاهر المقلقة  التي تسائل ذوو العلاقة بنظام التمثيلية اخترنا التعامل معها من زاوية علم السياسة والعمل على تحليلها بشكل هادئ ومؤسس مفاهيميا …في محاولة لضبط عميق وتأطير موضوعي لهذه الظاهرة  الطارئة..

عرضنا الاسئلة الملحة على الدكتور عبد الوهاب البقالي الدارس للعلوم السياسية والقانون الدستوري.. في مطارحة فكرية وأكاديمية بغية الوصول لبعض من أجوبة ماتزال معلقة .. بعيدا عن كل الركاكة المعرفية والرطانة اللغوية التي لا تفيد القارئ ولا المهتم   …حوار ومقاربة جديرة بالاطلاع …

  • أول سؤال ..وهو “إبن” اللحظة التي يعيشها المغرب السياسي ..ماهي ملاحظاتكم على مستوى النخبة المحلية المدبرة للشأن العام، خاصة و نحن نعيش أجواء دورات الجماعات الترابية و ما لاحظه الجميع من توترات و عجز في تدبير الاختلاف و الخلاف..؟

اسمحوا لي في البداية أن نوضح معا ..ما الذي يعنيه مفهوم النخبة و بالتبعية النخبة المحلية.. فالنخبة هي تلك الأقليات الإستراتيجية التي يكون لديها تصور و رؤيا لتطوير مجال معين انطلاقا مما تملكه من مقومات فكرية و كاريزما شخصية و مقبولية لدى الرأي العام، و النخبة في الجماعات الترابية هم مجموعة من المنتخبات و المنتخبين ديمقراطيا و الذين تكون لديهم قدرة على ترجمة مطالب و انتظارات السكان عبر برامج تنموية محلية و قدرة قوية على  الترافع المركزي و الجهوي لجلب مكتسبات للجماعة الترابية المعنية، بالاضافة لفهم عميق لأدوار المنتخب الجماعي بشكل تطوعي.

إذن، هل نعكس السؤال و نقول بأن التوترات التي عاشتها كل الجماعات الترابية من صراعات و تطاحنات بعيدا عن ثقافة الاختلاف سببها تعويض الأعيان للنخب في شغل المسؤوليات من داخل الجماعات الترابية، و منطق اشتغال الظاهرة الأعيانية جاء في سياق إضعاف القوى السياسية الديمقراطية في مرحلة زمنية ما، و بالتالي فمن يدبر الشأن المحلي له أسلوب و أهداف تختلف عن أهداف النخبة، فأغلبها تبحث عن مصالحها الخاصة عبر حماية مصالحها و هو ما ساهم في بناء شبكة واسعة من المستفيدين من الريع و الفساد و الصراع حول هاته المصالح ..هو الذي تعكسه دورات المجلس من توتر دائم.

  • بالعلاقة كانت مسارات التنخيب لها معايير معقولة يحددها نظام التمثيلية لولوج دائرة النخب.. كان الاعتماد على شبكة الاعيان هو المهيمن في المجال القروي و الحضري..اليوم يلاحظ ارتباك واضح في هذا الإدماج..؟

بالتأكيد بأن عملية تزكية المرشحين من داخل الأحزاب السياسية قد عرفت تحولات جذرية، فبعدما كان المرشح المنتمي للفئات المتعلمة و للطبقة الوسطى من رجال تعليم و أطباء و مهندسين و تجار ..و غيرهم، أصبح أغلب المرشحون لتحمل المسؤولية رجال أعمال أو مالكو مقاولات و بالتالي كانت مسألة التمثيلية محكومة بمعايير صارمة قوامها إعطاء الأولوية لمعيار الكفاءة و المناضل الحزبي و هو ما كان يعطي للصراع السياسي قيمة كبرى و يجذب أكبر عدد من الناخبين و  يضفي على كل العملية الانتخابية مشروعية ديمقراطية، و هو ما يفسر بأن النتائج الانتخابية في المدن كانت من احتكار الأحزاب السياسية المنتمية للكتلة الديمقراطية سابقا، في حين أن الأحزاب المعروفة باسم الأحزاب الإدارية كانت تتمثل في العالم القروي، و لعل أطروحة الباحث ريمي لوفو المعنونة بالفلاح المغربي حامي العرش تفسر هاته الثنائية و قدمت العديد من الخلاصات العلمية في الموضوع.

  • هنالك أيضا طلب كبير من فئات اجتماعية على الالتحاق بالفضاء السياسي دون تكوين و بحضور نزعة تمتح فقط من الزبونية السياسية و الحزبية.. ..الهدف هو الوجاهة و الترقي الاجتماعي ..و لما لا انتهازية تسمح بالاغتناء و الاستفادة الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة؟

هاته المسألة مؤكدة و يمكن اعتبارها أحد أهم الأعطاب في الحياة السياسية المغربية، فجزء مهم من المنتخبين وجدوا أنفسهم في لحظة سياسية ما، أصحاب نفوذ و مالكو عقارات و أصحاب شركات و اغتنوا بشكل سريع عبر بوابة الانتخابات بالنظر لما ساد هاته المجالس لعقود طويلة من الفساد و الافساد، و هو ما خلق لوبيات تتحكم في المشهد الانتخابي عبر شبكات من الفساد و الافساد، و تحت أنظار السلطات و المسؤولين من جهة، و من جهة أخرى خلق موجة من العزوف السياسي وسط العديد من الفئات بسبب إحساسها باليأس من التغيير.. مع مارافق كل ذلك من تمييع للعمل السياسي النبيل و قطع مع أطروحة التطوع في السياسة ..لتصبح المعادلة بأن من يمارس السياسة هو انتهازي و مصلحي ولعل الخاسر الأكبر في كل ذلك هو البناء السليم للوطن و المواطنة و  إضعاف آليات الوساطة الدستورية التي تؤطر المواطنات و المواطنين و تعبر على هواجسهم و انشغالاتهم.

تظل مسؤولية الدولة ثابتة في تغيير هاته الانحرافات لما تشكله من مخاطر على المشهد السياسي المغربي و تضعف نسب المشاركة الانتخابية داخل المدن بالتحديد، و تضع عراقيل في وجه الفئات التي لها مصلحة في المساهمة في التغيير من الوصول للمجالس المنتخبة.

  • يبدو أيضا من خلال المواكبة الحثيثة لما أنتجته مشاهد من دورات المجالس الترابية ..أن الديمقراطية المحلية لا تعاني فقط من أعطاب بنيوية بل انحباس قيمي و عجز في إنتاج المعنى السياسي لنظام التمثيلية.. إلام تعزو ذلك ….؟

أسباب كل  ذلك متعددة و يظل الأبرز منها هو تغليط المواطن بأن كل الاحزاب السياسية هي وحدة منسجمة، و لا فرق بينها لا من حيث تاريخها أو توجهاتها أو تحالفاتها أو الطريقة التي تمنح بها التزكية الانتخابية سواء للمنتسبين لها أو المتعاطفين مع مشروعها، بالاضافة لافساد عملية الترشيح للوصول لهاته المجالس، فأغلب الشباب الذين يريدون تمثيل دوائرهم يتم منذ البداية شراء ذممهم عبر ما يعرف بقدر مالي يسلم إليهم بالاضافة لأوراق الطبع و مواد الحملة، و أصبحت العملية مضحكة و كاريكاتورية بين الشباب المرشح و هي : “شحال عطاوك”..و أصبحت التزكية هي المال منذ البداية و تم قتل التطوع في كل العملية، لقد استطاع خصوم الديمقراطية أن يقتلوا في المدة الفائتة تلك القيم التي ناضلت من أجلها أجيال.. منذ الحركة الوطنية إلى لحظة شباب 20 فبراير، و لعل الخاسر الأكبر في ذلك هو كل الوطن و ما شاهدناه من مشاهد وضيعة في الدورات الأخيرة للجماعات الترابية محصلة و نتيجة لكل ما وقع..وهذا هو الذي أفرغ نظام التمثيلية من مضمونه الديمقراطي و جعل منه حديقة خلفية للفساد و الافساد.

  • بحكم دخولك لتجربة جديدة مرتبطة بتدبير الشأن المحلي و معايشتك لكل ماسبق ذكره ..هل ما يبدو اليوم من تطاحنات داخل البلديات هو صراع في عمقه على من يتحكم في موارد الجماعة و تعبيد الطريق للشبكات الانتفاعية للاستيلاء على مداخل الثروة المحلية أو هكذا يبدو الأمر؟.

صحيح، لا مشاريع تتصارع اليوم في الجماعات الترابية و لا لغة تعلو على لغة المال و المصالح و الامتيازات و الريع، ان كل المشاهد التي تابعناها في دورات فبراير لهاته السنة و نقلتها الصحافة الوطنية و مختلف المواقع الالكترونية هي مشاهد تخفي الصراع بين حيتان الجماعات على موارد و امتيازات الجماعات من عقار، و صفقات و امتيازات الاشراف على مرافق و أسواق.. و التحكم في مصير جبايات و مداخيل الجماعات، إننا أمام إفلاس للضمير الجمعي لهؤلاء المنتخبين الذين طبعوا مع الفساد و أصبحوا لا يستطيعون نبش ملفات بمثابة العلبة السوداء لهاته الجماعات.

إن تحالفات خفية و علنية لتثبيت هذا الوضع البئيس بين أحزاب ادارية و لوبيات و سماسرة للانتخابات و أفراد ارتموا على عالم المقاولات.. تجعل من ممارسة الشأن المحلي خطوة محفوفة المخاطر.

بيد أن قناعتي الشخصية ..أنه بالامكان  تقديم صورة مغايرة لكل ما يقع من قبل العديد من المستشارين الجادين ذوي غيرة ورؤية لمشاكل المدينة ويمكن إحداث تراكمات ايجابية  وإثارة الانتباه للعديد من الملفات و القضايا التي تؤرق بال الساكنة و تجعل من العمل التطوعي و سياسة القرب لهما معنى حقيقي للتمثيلية الديمقراطية.

  • لماذا هذا العجز و هذا العقم البائن اليوم على مفاصل و مكونات و تشكيلات الجماعات الترابية..في تقديرك كأكاديمي و باحث هل المشكل في البنية المؤطرة..الحزب السياسي..الرقابة الادارية..نظام الاقتراع الذي أفرز غثا أكثر من السمين كما لاحظ العديد من المراقبين؟

كل هاته الأسباب مجتمعة و غيرها يمكن أن تفسر وضع الضعف في الأداء التنموي للجماعات الترابية، فالنظام الحزبي الهش و المبلقن يفرز تمثيلية تكاد تكون متشابهة من حيث طبيعة البروفيلات التي تصل للمسؤولية، جزء مهم منها لامشروع سياسي لديها، ضعف كبير في النقاش السياسي و تمثل فكرة التنمية، و أغلب الوافدين للحقل السياسي عبر بوابة الانتخابات الجماعية يخلقون شبكات انتفاعية كبيرة من المستفيدين من فائض القيمة في التدبير المفوض و شركات التنمية المحلية و ملاعب القرب و ريع الأعوان العرضيين أو ما كان يسمى سابقا بالإنعاش الوطني.

ساهم أيضا نظام الاقتراع الذي حذف العتبة في وصول عناصر لأول مرة حصلوا على ريع الأصوات المتبقي من نظام الاقتراع النسبي باللائحة بأصوات ضعيفة جدا لم تتعد 200 صوت في جماعات كبرى، و هي معضلة كبرى لمفهوم التمثيلية الديمقراطية و عمق التواجد الشعبي و الانتخابي للأحزاب السياسية بغض النظر عن واقع العزوف الانتخابي و نسب المشاركة و ما يعتري العملية الانتخابية من تدخل مباشر للمال.

و هو ما يحيلنا على دور سلطات المراقبة الإدارية أو ما كان يسمى بالوصاية الإدارية، فأغلب العمال و الولاة هم يقومون بتدبير للمخاطر.. لاستمرارية هاته المجالس المنتخبة بأقل ضرر إن صح التعبير، فتدخلاتهم محتشمة في موضوع تنبيه رؤساء الجماعات الترابية لتصحيح الاختلالات و هو ما يطرح سؤالا عميقا حول الورطة السياسية و الانتخابية لما أفرزه تحالف النظام الحزبي بنمط الاقتراع مع طبيعة ممثلي الساكنة و أسلوب عملهم و أهدافهم و طريقة وصولهم لهاته الجماعات.. ما يتطلب تغييرا عميقا لهاته البنية التي تكاد تكون ثابتة لمختلف الاستحقاقات القادمة و تجعل من مسألة التمثيل الديمقراطي عملية بدون فائدة و تفرغ هاته المؤسسات من أدوارها الدستورية و التنموية.

  • توضيح و تفسير ما يطلق عليه بعلم التراب ..الذكاء و التسويق الترابي أمام ما تمر به التجربة الترابية و الجماعية من نواقص و أعطاب عميقة..؟؟

عرف تدبير الشأن الترابي تطورا معرفيا و علميا جوهريا و لعل تبيان هاته التحولات المعرفية سيظهر مفارقة لا مثيل لها على مستوى تطور الفكر الترابي أو ما يعرف بعلم التراب و طبيعة الممارسات التي تسود من داخل الجماعات الترابية، فالذكاء الترابي.. مثلا هو الالية التي يسخرها الفاعلون قصد تحقيق أهداف التنمية الترابية المنسجمة أي القدرة على استباق و مراقبة المعلومات بشتى أنواعها و الاستخدام المنظم لشبكات التأثير و الإجراءات التي يتخذها المنتخبون كفاعلين ترابيين لصالح المجال الترابي الذي هم مسؤولون عن تدبيره…إننا أمام منهجية جديدة للعمل الترابي و جواب علني و تقني من قبل الفاعلين الترابيين و الشركاء.

و بخصوص التسويق الترابي فقد تسرب للشأن الترابي.. من اقتصاد السوق بالنظر لتأثير الجاذبية الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية التي يخلقها التسويق الترابي على حركية المجال وفق مبادئ الحكامة الجيدة فإن ذلك يؤثر بشكل كبير في مسار التنمية المحلية.

إن استعراضنا للتحولات المعرفية لهذا العلم ..لتبيان الامكانيات المهمة التي من المفترض أن تنقلها النخب المحلية إلى الميدان العملي في جلب التنمية للجماعات الترابية، لكن ملاحظتنا.. ان هناك مفارقات كبرى بين تمثل مقومات هذا العلم و الواقع العملي، بل الأكثر من ذلك هو غياب ثقافة قانونية لمعرفة دقيقة للأدوار التقليدية و المهام التي يجب أن يقوم بها المنتخب انطلاقا من القانون التنظيمي للجماعات الترابية نفسه، و لعل هاته الخلاصة تتطلب تقييما شاملا لكل هاته المنظومة بغية إحداث التغيير المنشود لإحداث التنمية المطلوبة.

 

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في سياسة
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

تكريم فعاليات ثقافية بأسفي في اليوم العالمي للرجل