بقلم / سعيد العبدي
المبادرات إلتى اتخذتها الحكومات المغربية المتعاقبة ، جاءت بناء على دراسات عميقة وتجارب كاملة وحوارات وافية ، قام بها مختصون اقتصاديون وكفاءات عالية وخبراء كبار ، المغزى منها امتصاص آفة البطالة . وشحن معنويات المواطنين بالأمل والتفاؤل ، ورفع روحهم المعنوية . إلا أن هذه المبادرات في بعض المناطق فشلت وذهبت في مهب الريح ، وأضحت مثل الذي يحرث في البحر ،خاصة في مدينة العجب العجاب أسفي .
ومثال على ذلك ، برنامج أوراش بأسفي .. تقدمت ما يزيد عن 340 جمعية مدنية بمشروعها للجهة حاملة المشروع وهي المجلس الإقليمي ، وتم انتقاء 77 جمعية ، نالت حصة الاسد دائرة سبت جزولة ، منطقة رئيس المجلس الإقليمي وهي كما نعلم ” الخزان الانتخابي “.. المثير ان جل الجمعيات احترمت المساطر المعمول بها بعد القبول ، من نشر الإعلان التوظيف المؤقت ، حسب الشروط و مجال وتخصص كل جمعية ، وتوصلت السلطات المحلية باللوائح حيث نالت موافقتها ، إلى هنا كل شيء جيد وجميل . إلا أن أصحاب الجمعيات التي حضيت بالمشروع تفاجأ في العمالة بتغيير اللوائح وإرغام رؤساء بعض الجمعيات بالمصادقة والتوقيع عليها، الشيء الذي رفضه البعض واستنكر العملية برمتها .
و تفيد الأخبار المتداولة أن رئيسة جمعية من منطقة جمعة اسحيم لما احتجت بالصوت العالي تم التراجع عن تغيير لائحة ” المستخدمين ” .. كما أن العديد من الجمعيات تعرضت لهذا السلوك الذي وصف ” بالارعن ” . البعض تقبل الأمر على مضض والتزم الصمت وكما نعرف السكوت من علامات الرضى .
إلا أن نجم المبادرة يبقى هو مندوب الصحة القادم إلى أسفي من مدينة انزكان ، بعد الكوارث والاخفاقات والمشاكل التى افتعالها هناك، لدرجة أن الكل كان ينتظر إعفاءه ، فإذا بوزارة الصحة تزف لنا خبر تعيينه مندوبا بإقليم أسفي .. و قد يقول قائل : لماذا أسفي ؟ وهذه قصة يطول شرحها ، اسفي مدينة مهلهلة ، مدينة الأشباح على رأي ابن هذه المدينة المخرج السينمائي نور الدين الخماري ، ورغم أن أسفي تتوفر على ثروات كثيرة وإمكانيات هائلة ، إلا أن ساكنتها تعيش الفاقة والبطالة و تحولت إلى مدينة لرمي الكلاب الضالة للمدن المجاورة ، وإغراقها بالمهاجرين السريين الأفارقة، وبالمتسولين والمتشردين ، ….الخ و هنا على الصحافة الشريفة والنزيهة ان تتطرق لهذه المواضيع وتكشفها بأمانة وشجاعة وبلغة قوية ، بلغة لا تعرف التبرج ولا المكياج والرموش والرتوش .
نعود إلى مهازل التلاعب في لوائح برنامج أوراش بأسفي ، والتي كان بطلها مندوب الصحة ..في الوقت الذي وصلتنا أخبار عن مناديب ورؤساء مصالح رفضوا الدخول في هذه اللعبة ، كالتعليم والأوقاف والفلاحة والثقافة والتعاون الوطني. ورفضت عملية تغيير اللوائح ، لان العملية هي مبادرة وليست توظيف ، بينما مندوب الصحة يقول على المرشحين ان يكونوا حاملين للدبلومات والشواهد العليا ويضرب مثلا بالمرشحين في اوراش الصحة حيث يشترط توفرهم على دبلوم التمريض . وهذا يتنافى كليا مع شروط ومرامي البرنامج . وهكذا وجدت الجمعيات نفسها بين نازلتين اما الرضوخ لأوامره ، وإما تشطيب عليها نهائيا وعدم التعامل معها مسقبلا . وكل هذا وقع أمام وبدعم من رئيسة القسم الاقتصادي بعمالة أسفي ، والتي اعتبرت ان كل شيء يهون أمام مصالح المدينة ،فهؤلاء هم أدرى وأعلم والأقدر على التخطيط السليم .
وأمام هذا الوضع رفض مجموعة من رؤساء الجمعيات التغيير في اللوائح ، وقالوا بصوت واحد لا وألف لا ، لن نأشر على أسماء لا نعرفها ولم نختارها ، ونحن بريئين منها براءة الذئب من قميص يوسف عليه السلام ،وهنا تفاجأ المندوب وأصيب بالذهول والحيرة ، فهو الذي كان يعتقد أن المجتمع المدني بأسفي قاصر، ويمكن الحجر عليه ،رغم ان بعض الجمعيات رضخت لأوامره وللأسف التزمت الصمت و ( السكوت من ذهب ) .
فماهي مبررات مندوب الصحة حول قرار تغيير اللوائح ؟
حسب المقربين منه ، فان المندوب يبحث عن إيجاد الحلول للمشاكل الصحية المزمنة في أسفي ، وأن هناك ممرضات متطوعات هم أولى بالاستفادة ، كلام جميل إن صدق صاحبه . لكن جهات من داخل المستشفى تكذب ذلك وتقول أن داخل مستشفى محمد الخامس مثل دار الشباب ، ثلاثة جمعيات منحت لها مقرات داخل المستشفى ، لها استقلال مادي وتوظف مجموعة من الممرضات والأطر ، وتضيف مصادرنا أن مجموعة من الممرضات المتطوعات بالمستشفى تكفل بهن برلمانيون ومحسنون . فهل يعقل ان نفرض على جمعيات مختصة في السرطان والتوحد والسكري والإعاقة توظيف أصحاب الشواهد في إطار برنامج اوراش ،
من جانبه عبد الله بن تومي عن جمعية ماقيش كرامتي، إعتبر تغيير اللوائح أمر خطير ، فالمجتمع المدني مستقل والدولة تقدمت ببرنامج اوراش من اجل امتصاص البطالة وزرع الأمل في نفوس المواطنين ، وأن التوجه العام للدولة هو منح المجتمع المدني ملف التشغيل على غرار مجموعة من الدول الاوروبية مثل المانيا والدانماك وكندا وهولاندا والتي لديها تجارب رائدة ، وأضاف بن التومي أن المجتمع المدني في فرنسا أحدث خلال سنة حوالى 100 الف منصب شغل ، وعلى هذا المنوال المغرب يتجه نحو العبور إلى مرحلة بناء الثقة والنهوض بالتنمية الاقتصادية . ويبقى دور المصالح الحكومية هو تقديم الاقتراحات والتشاور والتتبع مع الحياد الايجابي . لكن المسئولين الذين يلهثون وراء مصالحهم الخاصة ، هي التي أوقعت المبادرات الاقتصادية الكبرى في حفرة واسقطت مصداقية البرامج في الهاوية . وجعلتنا نعوم في بحر من الفساد.