أسفي اليوم \ المصطفى حمزة
شكلت مدرسة الأمراء العلويين بمدينة الشماعية، منذ تأسيسها في أواخر القرن الثامن عشر إلى فترة وفاة السلطان الحسن الأول، أحد أهم الروافد التي كانت تمد المخزن المغربي آنذاك، بموارد بشرية مهمة (ملوك، خلفاء، وزراء، قواد الجيش، قضاة، كتاب…) قادرة على تدبير شؤون الدولة في مختلف الميادين، وذلك وفق معايير ومواصفات محددة مسبقا، كما شكلت منطلقا لحركة فكرية عرفتها منطقة أحمر خلال القرن 19م،كان روادها السلاطين، والأمراء ومرافقيهم، والأساتذة الذين درسوا بها، وأبناء المنطقة الذين احتكوا بهم، هذا إلى جانب نشرها لقيم ثقافية حضارية بالمنطقة، كانت لها تأثيرات إيجابية، مست طرق وأساليب عيش الإنسان الحمري.
إن الخلاصات المشار إليها أعلاه، تستمد مرجعيتها من مجموعة من الأسس تتمثل في ما يلي:
1 ـ تأسيس مدرسة الأمراء العلويين والأدوار التي قامت بها.
2 ـ السلاطين والأمراء الذين درسوا بها.
3 ـ الأساتذة والشيوخ الذين درسوا بها.
Ⅰـ التأسيس والأدوار:
أ ـ التأسيس: يستفاد من الإشارات الواردة في معرض حديت الباشا إدريس منو، عن صباه وصبا أولاد الحسن الأول، أن تأسيس هذه المدرسة ، تم في عهد السلطان محمد بن عبد الله، لما أعجبه من سمة الحمريين، ومحبتهم لحفظ القرآن، إضافة إلى سنهل سياسة جديدة في تربية أبنائه، تجلى مضمونها في ضمان تعلمهم بعيدا عن صخب المراكز الحضرية، وما توفره من مرتع خصب لنمو التطلعات السياسية، وهذا ما يفسر لماذا تلقى مولاي سليمان وبعض إخوانه جل تعليمهم خارج المدن الكبيرة، كما يفسر اهتمام السلطان بتعليم أبنائه بمنطقة أحمر.
وبالنظر لأهمية هذه السياسة التربوية، فقد صار عليها كل السلاطين الذين خلفوه، حيت أصبحت « تربية الأمراء خلال القرن 19، صعبة وجدية، وتتم في وسط قاس، بعيدا عن رفاهية القصور الملكية…».
ب ـ الأدوار: قامت مدرسة الأمراء العلويين ـ إلى جانب مهمتها كمقر لسكنى الأمراء ومرافقيهم ـ بوظيفتين أساسيتين:
ـالوظيفة الأولى: أنها كانت مركزا لتنشئة وتعليم الأمراء العلويين ومرافقيهم، القرآن ومختلف العلوم التي كانت سائدة آنذاك، وفق برنامج محكم، واستعمال زمن مضبوط، ممتد مابين الفترة الصباحية والفترة المسائية طيلة أيام الأسبوع، باستثناء الفترة المسائية من يوم الأربعاء الذي كان مخصصا لتعلم الرماية، وكل يوم الخميس الذي كان مخصصا للتدريب على ركوب الخيل.
وكان يشرف على تعليمهم القرآن، وتدريسهم مختلف العلوم، أساتذة أجلاء ممن لهم دراية وإلمام بمختلف العلوم من داخل منطقة أحمر ومختلف مدن المغرب، مثل فاس ومكناس ومراكش وآسفي…
ـ الوظيفة الثانية: تدريب الأمراء العلويين على ركوب الخيل، وأخذ الرماية
على يد شيوخ أحمر، ممن لهم الخبرة في ذلك، حيث كانت الفترة المائية من كل يوم أربعاء مخصصة لتعليمهم الرماية، وكان كل يوم الخميس مخصصا لتدريبهم على ركوب الخيل، في حين كان يوم الجمعة يوم عطلة.
2 ـ السلاطين والأمراء الذين درسوا بها:
أولا: أبناء السلطان سيدي محمد بن عبدالله: ومنهم السلطان مولاي سليمان.
ثانيا: أبناء السلطان مولاي سليمان: ومنهم الأمراء مولاي عمر، مولاي علي، مولاي ابراهيم، مولاي ادريس.
ثالثا: أبناء السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام: ومنهم السلطان مولاي محمد، والأمراء مولاي العباس، مولاي الرشيد، مولاي علي…
رابعا: أبناء السلطان مولاي محمد: ومنهم السلطان الحسن الأول، والأمراء مولاي علي، مولاي عثمان….
خامسا: أبناء السلطان الحسن الأول: ومنهم السلطان مولاي عبد الحفيظ، و الأمراء مولاي الكبير، مولاي أحمد، مولاي الطاهر، مولاي جعفر، مولاي بوبكر، والأميرة لالة فاطمة.
3 ـ الأساتذة والشيوخ الذين درسوا بمدرسة الأمراء العلويين بمدينة الشماعية:
أولا: الأساتذة ومنهم:
1 ـ الأستاذ أحمد الرفاعي: وهو ممن طوروا الخط المغربي، وممن يرجع إليهم في هذا المجال.
2 ـ محمد الطيب بن اليماني أبي عشرين، وزير السلطان محمد بن عبد الرحمان ومؤدب أبنائه.
3 ـ الحاج العربي بن رحال بن علال البربوشي، العالم المشارك، الفقيه النوازلي.
4 ـ الأستاذ عبد القادر بن قاسم الدكالي، مؤرخ ثقة ضابط درس العلم بالحضرة المراكشية.
5 ـ علي بن أحمد الهواري: كان له الباع الطويل في سائر الفنون، والمشاركة في علوم المعاني والبيان والمنطق.
6 ـ الرحماني، أحمد بن مبارك الجوني المراكشي الفقيه العلامة.
7 ـ محمد بن عبد السلام ابن عزوز: الحصيني الرباطي الدار المراكشي الأصل، تولى الوزارة مع المولى الحسن لما كان خليفة لوالده، ويعد من أشياخه.
8 ـ علي المسفيوي: الكاتب الوزير الماهر اللغوي الموصوف بالمروءة، والتؤدة وجميع الأوصاف.
9ـ أحمد بوغربال: كان عارفا بالنحو واللغة لا يدرك فيهما شأوه حتى أنه إذا كان يدرس النحو لا يحضر طلبة المدارس وغيرهم في وقته عند غيره.
10ـ الأستاذ أحمد بن محمد بن الحاج السلمي المرادسي، كانت له اليد الطولى في السير، والتاريخ، والأنساب، والصرف والعربية، والطب وغير ذلك.
11ـ الأستاذ فضول المكناسي: كان ملما بالعربية والفقه…
12ـ التهامي بن عبد القادر المراكشي المدعو بابن الحداد: فقيه أستاذ مجود عالم بالقراءات السبع.
13ـ الطالب محمد بن عبد الواحد بن سودة.
14 ـ الطالب بوعبيد المسكيني، أستاذ أبناء السلطان مولاي الحسن.
وإلى جانب هؤلاء الأعلام ، هناك العديد من الفقهاء والعلماء من قبيلة أحمر، الذين حظوا بشرف التدريس بمدرسة الأمراء، بحكم الأهمية الفكرية التي كانت للمنطقة، والانتشار الكبير للعديد من المدارس العلمية والزوايا على امتداد المجال الحمري، والحظوة التي كانت للعديد من الفقهاء والعلماء الحمريين عند سلاطين المغرب، مثل العلامة سيدي محمد الحاج التهامي الأوبيري (ت 1250 ﻫ) الذي ترك مجموعة من المؤلفات تدل على سعة علمه، وتضلعه في العديد من الميادين…
إن أهمية هؤلاء المعلمين/ الأساتذة وغيرهم ممن لم نتمكن من التعرف عليهم، تكمن في كونهم كانوا من « من جلة الأساتذة وفضلاء الأعلام »، ممن يختارهم الملوك لتأديب وتهذيب وتدريب أبنائهم، كما تكمن في ما كان لهم من غزارة في الإنتاج الفكري، وما كان لهم من إلمام واسع بمختلف علوم عصرهم، هذا إلى جانب ما اتصفوا به من جدية في العمل، وحرس على تنشئة وتربية الأمراء ومرافقيهم.
وإذا كانت سعة العلم والمعرفة، هي أهم ما ميز المعلمين/ الأساتذة الذين درسوا بمدرسة الأمراء، فإن من أخذوا عنهم من ملوك وأمراء ومرافقيهم، عرفوا هم الآخرون بكثرة الاطلاع، والرغبة في التحصيل، ثم الخلق والإبداع.
ثانيا الشيوخ: كانت مهمتهم تدريب الأمراء ومرافقيهم، على ركوب الخيل، وتعليمهم الرماية، ومنهم:
1ـ الشيخ أبو عزة بن عبد الله بن عبو بن دباج اليريوي.
2 ـ الشيخ محمد بن عبد الله بن عبو بن دباج اليريوي.
3 ـ الشيخ علي المكنى ولدا منانا، وهو ولد عم الشيخين المذكورين .
4 ـ أبو عثمان سعيد الحميري البيهسي، الرجل الفاضل العارف بالرماية والركوب، ذكره الإمام الخلاط في شيوخ الرماية.
5 ـ ناصر بن عبد المولى الحمري الناصري، « كانت له حالة حسنة، ونية صالحة في تعليم الإخوان الرماية، وله نفس عالية عما في أيدي الناس، ويرشد أصحابه إلى الصلاة والنية الصالحة برمايتهم ومحبة بعضهم بعضا ».
6 ـ الشيخ العباس بن الطاهر الحمري الناصري .
وإلى جانب هؤلاء الشيوخ، هناك العديد من المراكز والزوايا بمنطقة أحمر، كانت متخصصة في تعليم الرماية وركوب الخيل.
ورغم الأهمية التي كانت لهذه المؤسسة، والأدوار التي قامت بها محليا ووطنيا، فإنها اليوم تعيش وضعا مزريا، يتمثل في السطو على ممتلكاتها، وتهديم بناياتها، وطمس معالمها، لذا نطالب كل الجهات ذات الاختصاص من أجل التدخل، لإنقاذ هذا التراث الوطني والمحافظة عليه، صيانة لذاكرتنا الوطنية.