هذه رسالة كتبها المحامي الاستاذ بركات الغالي.. فيها يشرح أوضاع المهنة بطريقته.. مارا على المستوى الذي وصلت اليه مهنة المحاماة من تردي قيمي وأخلاقي ومسلكيات تضرب في العمق تقاليد واعراف هاته المهنة النبيلة…. لعل الرسالة رغم كتابتها بنفس نقدي وتشريحي.. فهي تنتصر للتاريخ وللزمن الذي كانت فيه وكان فيه المحامي في طليعة النضال على القضايا الكبرى.. حقوقا وسياسة ومواقف رصينة…
” رحم الله عظماء المهنة وفطاحلتها
وبارك في شريفاتها وشرفاءها
ومناضليها “
كتب الأستاذ الغالي بركات
لقد انتزع منا الموت زميلنا الاستاذ النقيب والرئيس مصطفى الريسوني الذي يعد ويعتبر من عظماء مهنتنا وفطاحلتها الى جانب ما كان قد اسداه لبلاده ولوطنه انطلاقا من كافة اسهاماته القانونية والحقوقية والانسانية وذلك ضمن هيئة الانصاف والمصالحة التي رصدت كافة التجاوزات والانتهاكات الصارخة ضمن ما عرف بسنوات الرصاص وما ترتب عنها من اثار سيئة على المواطنات والمواطنين بغياهب السجون والمعتقلات السرية المهينة للكرامة مرورا بتزمامرت ودرب مولاي الشريف والكوبيس ودار بريشة ودار المقري ومثيلاتها من السجون السرية.
إن الاستاذ النقيب والرئيس مصطفى الريسوني رحمه الله، شكل بمعية ثلة من النقباء والرؤساء والاساتذة الشرفاء تاريخا مهنيا تركزت من خلالها عدة ضمانات قانونية وحقوقية رغم زخم الاكراهات والتجاوزات والاعتداءات المادية والمعنوية والنفسية التي كانت تسلط على المواطنات والمواطنين وتسلبهم حريتهم وتدمر حياتهم وحياة ابنائهم ضمن البرتكول المخرني البائد والذي عانى منه بلدنا ولطخ تاريخه واجهز على اقتصاده وعلى كافة ثرواته تلك التي حباه الله بها.
وإن الممارسة المهنية تلك التي ركزها واسسها سلفنا ليست وسيلة من قبيل الترف والزهد، وانما التزام اخلاقي وقانوني وتشبع بكافة الحقوق والحريات والاسثماتة في الدفاع عنها ومحاربة كل الوسائل والدسائس التي تحاك ضدها وضد من ينتسب اليها ويحمل شرف ارتداء بدلتها خلفا عن السلف الذي اعطى وابصم على عنفوانها ونبل مراميها واهدافها.
إن مهنة المحاماة وباعتبار منتسبيها يشكلون جزءا هاما من اسرة القضاء وموكول اليهم المشاركة في اصدار احكام عادلة والسهر على تحقيق العدالة ضمن قواعد مهنية مضبوطة ملتزمون وملزمون بالسلوك المهني رفيع المستوى والاستقلال والتجرد من كل السبل التي ينأى عنها الفكر والعقل الانساني السليم، وتلك التي قد تحيده عن التزام والكرامة والشرف وما تقتضيه الاخلاق الموسومة بها يحمد من الاعراف والتقاليد التي تأسست عليها مهنة المحاماة وحافظ على صيرورتها ورقيها عظماؤها وكرماؤها وورثها عنهم جيل من الشريفات والشرفاء بعيدا عن المكر والخداع وابتداع ونشر سبل التفرقة وسن بروتوكول الحقد والكراهية بين الزميلات والزملاء، والتنكر لكل العلاقات الاخوية التي يستوجبها التعامل المهني وعدم ابتداع اساليب النفاق كوسيلة لتحقيق ذوات من هم يستغلون الاعراف والتقاليد جنة ليصدوا عن تحقيق مضامينها وفلسفة التعامل بها، ويتشدقون بوجوب احترام القوانين وهم من يفسدونها ويعملون على افسادها وصيرورتها وجعلها كقاعدة للتعامل المهني بين الزميلات والزملاء.
إننا اليوم ونحن نرصد كل الاساليب الهجينة والساقطة التي طفت على حياتنا المهنية والتي عشعشت وتعشعش وتتطور لتطال كافة المكتسبات التي ورثناها عن رائداتها وروادها الشرفاء لمدعوون ونحن نملك حق مناهضة الظلم والجور والاحتقار والتطاول على الحقوق والحريات والتشبع بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا، أن نستعمل نفس الحق ونفس الوسائل لمحاربة شيوع الفساد والمفسدين ورواد السمسرة أيا ما كانت لهم من مكانة مهنية وما قد تكون لهم من علاقات مشبوهة اولئك الذين يسخرون التقاليد والاعراف لتحقيق زيف الحياة وزيف الشهرة الموبؤة وزرع نواميس الحقد والفرقة والتشردم بين الزميلات والزملاء.
وإننا ونحن مقبلون على انتخاب هيئة مهنة جديدة التي سوف تتشكل طبعا من استاذ نقيب واساتذة اعضاء لها فعلينا تقع مسؤولية الاختيار من ستكون له كل المقومات والمؤهلات القانونية والكفاء المهنة والشخصية والنفسية والمادية والمعنوية وقادر علي الحفاظ للمهنة على استقلالها وتجرد ونزاهة وكرامة وشرف منتسبها في ظل اخلاق مهنية رائدة واعراف وتقاليد مستمدة من تاريخها وتراكماتها غير ممسوخة ولا ملغومة ولا ملونة بالوان النفاق ولا مزينة بالوان المساحيق والمكياج المبهر للعيون والساطع الرؤيا.
إن حصانة الدفاع وحصانة رواده والمؤهلين للقيام به ولمن يجب أن توكل اليهم شؤون المهنة وشرف الدفاع عنها يلزمنا جميعا أن نقاوم كل الفاسدات والفاسدين والركع امام من لهم ارتباط مباشر بالمهنة والذين يصطنعون دموع التماسيح للتوهم بصدق نواياهم والذين يشنون حملاتهم الانتخابية الحالية مدعين محاربة الفساد والفساد يتبرؤ منهم ومن مواقفهم واللباس الذي يرتدونه، وإننا ملزمون ايضا بمقاومة الوسائل الدخيلة عن المهنة والمستمدة من ربيباتها التي تستعمل في الاستحقاقات العامة الجماعية منها والبلدية والتي يراد لها أن تفرض علينا انطلاقا من محاولة تكميم افواهنا ومنعنا من ابداء الرايي والتقييم والمحاسبة المهنية والقانونية لكل من كانت له صفة التمثيل وصفة تسيير الشؤون التي لها علاقة بحياتنا المهنية ومشاكلنا واكراهاتنا، ايا ما كانت صفته ومكانته ومسؤولياته، وإن استعمالنا للحق المذكور لا يتطلب الترخيص من أي جهة كانت وعلينا جميعا ان نحارب بكل مهنية اصحاب: ” عفاك لا تنسانى” و “أنا معول عليك” و”انني رهن الاشارة و “أنا مزاوك فيك” وكذا اصحاب “التعناق الحار”.
هذا وإن الوضعية المهنية الحالية والظروف التي تحيط بها وما يسن لها من وسائل هجينة لجعلها هيكلا بدون فعالية وتفقدها مكانتها التي كانت ترعب كل اصحاب النفوس الفاسدة والضالة لتحملني وتحملك وتحملون جميعا زميلتي وزميلي المسؤولية التاريخية في اعطاء صوتك لمن يستحقه ولمن لا يخاف لومه لائم في الدفاع عن استقلالية المهنة واستقلال مسارها ومكوناتها ومقاومة ومحاربة كل دعاة الفساد وانه لمن واجبنا المهني والتاريخي أن نلقن دعاة التفرقة درسا مهنيا يتلائم مع قيمنا المهنية وان نقطع جدور الفساد والمفسدين اولئك الذين يعتقدون انه بإمكانهم ان يستدرجوننا الى حيلهم وطرقهم الغير المهنية حتى يتمكنوا من العبث بمصالحنا وحقوقنا ومكاسبنا وكراماتنا تلك التي يستغلونها في بناء علاقات موشومة بالنفاق والحقد ضد اعراف وتقاليدنا المهنية الرصينة.
وانني وإذ اشرككم معي في ما اشعر به من خطر يداهم مهنتنا، فإنني وكوني أقدر المسؤولية واقدر الشهادة التي بها قد نزكي من لهم القدرة على احترام الامانة والخوف من المحاسبة الاهية قبل كل شيء، فليس لي من هدف سوى لفت الانتباه الى ما يحضر من وسائل غريبة عن مهنة المحاماة وعن المحامين ولئلا يعتقد البعض أن ما تناولته من تحليل وتقييم اساسه انني احضر لتقديم ترشيحي، فأقول لهؤلاء واولئك ليس لي أي اطماع في تقديم ترشحي وسأعمل على تزكية كل من هم اهل لذلك وسأستفتي قلبي فاستفتوا قلوبكم رحمكم الله.