..خربشات ومحكيات عن رعيل النضال والوطنية الصادقة ..لما مر اليوسفي من اسفي ..

3,086

كتب محمد دهنون 

هي بالفعل كلمات يصعب تسويدها على البياض .

حين  يتعلق التحبير  بهامة حقيقية واسم تاريخي كان ومايزال يشكل علامة فارقة بين التدني والسمو ..بين الصفاقة والرصانة ..بين الغباء السياسي والذكاء التاريخي ..لعل أصعب أمر أن يكتب المرء  على رجل من طينة اليوسفي , أخلاقا وسلوكا وممارسة ..ليست المسألة انتصار لانتماء ضيق أو دفاع عن قبيلة إيديولوجية عاش بين ظهرانيها سي عبد الرحمن لعقود طويلة ..

عندما مات الرجل قبل أسابيع ونحن في عز الحجر الصحي ,أحس المناضلون الاوفياء أن شيئا قويا اقتطع منهم فجأة ..وحل محله الحزن والفجيعة وأسى لم نشعر به إلا و”لوعة الغياب ” اخذة في التمدد على  دواخلنا ومن داخل نياط القلب …هل كان لابد أن يحصل هذا الكلام ..هل كان لزاما ومقدرا أن يرحل صاحب السياسة النبيلة  بتينك الطريقة وهو الذي عاش يفك طلاسيمها وينتقل من منعطف إلى منعطف بتفكير تاريخي ..مواجها كل “مأزق” بطريقة الكبار ..فاللحظات التاريخية يا عبد الرحمن  كانت عندك مزجا عميقا بين التاريخ والجغرافيا السياسية الوطنية ..ولم تكن يوما لحظة اقتناص فكرة وصولية أو تموقعا خارج النص والسياق .. الضحالة “لعنة” يورثها الخالق  لنمل السياسة  حين يضع لهم أجنحة ..ومثل تلك اللعنة تصيب  فيلا هائجا في سرادق للطين والفخار …

ما همنا ذلك ..

سينتصف الجميع ويحتكم  للتاريخ ..عباد الله الذين امنوا بحزب القوات الشعبية واختاروا الانتماء لفكرته التقدمية لن يضيع نضالهم سدى ولن يذهب هباء أو يسقط غثاء أحوى ..فمن ناضل في زمن وبجانب عبد الرحيم وعبد الرحمن  وعمر واقتطع جزءا غير يسير من حياته وأيامه وإحساسه ..ودافع عن المغرب بمنطق الاتحاديين ..رغم الانكسارات والخيبات ..فعلى الأقل ..اكتشف  وسيكتشف الفرح والصدق والبساطة وجمال المشقة والعنت في بث روح الفكرة الاتحادية …مع مثل هذا الجيل وهذا الرعيل الذي جرب الكهوف الباردة للنظام التي نعتت بالاقبية و المعتقلات السرية …التواجد والحضور معهم شرف مابعده شرف …

من هنا قدم هؤلاء الذين لم يسعفهم عصرهم و لا وقتهم على البوح وعلى تسجيل الشهادات والوقائع التاريخية ..ومنهم رجال وطنيون كانوا أيضا في أسفي تلك الحاضرة التي بدأت مبكرا وانخرطت باكرا في كل الأسئلة المعلقة التي تنتظر جوابا سياسيا أو ثوريا بكل المعاني …..

يذكر مثل هؤلاء الرجال الافذاذ أن الراحل اليوسفي مر غير ما مرة من أسفي زمن الرصاص وماقبل الرصاص وترك ظله هناك …………المقاومون الحقيقيون ورعاة الفكرة الوطنية ومناضلو الميدان ..سمعت منهم غير مامرة محكيات عن سي عبد الرحمن ..كنت ألجأ للتدوين في وريقات عسى يأتي يوم ..وأعود إليها ..وهاهو قد أزف ..لكن من حكى  ومن روى عمن كان ..كلهم إلى دار البقاء ..ونحن مازلنا جميعا في دار الصابون والاوساخ ..؟؟؟؟..

مات محماد السيكليس ,مات سي لحسن لمشري ..بقي محماد مول الزيتون يقاسي وحده دون إنصاف ..وسي محمد الشعبي يجالس الغابة والخواء في تلة سيدي بوزيد “يناغي” ذكريات الاختيار الثوري ومغامرات خلية شيخ العرب …ألم يشطب بعض مثقفي الحزب على مرحلة حزبية بما لها وما عليها ..بوضع توصيف “البلانكية” ..على اختيارات لم تنل لحدود الساعة حظها من القراءة الهادئة والموضوعية الرصينة والعميقة ..لمثل هذا الكلام انتمى هؤلاء في اسفي وغيرها ..معذرة على هذا الاستطراد ..فاليوسفي أخفاه هؤلاء “الهؤلاء” في اسفي زمن الاستعمار الكولونيالي  ووقت الرصاص واللعلعة الاستبدادية التي أصابت بدايات بناء الدولة الوطنية ……حكى السيكليس ا مرابطين أن اليوسفي لوحق من البوليس السري في كازا ..وصل إلى اسفي ..أخفوه في حي تراب الصيني التاريخي الولاد لكثير من الشخصيات الوطنية في مجالات عدة ليس الوقت مجال قولها ….لم ينتبه زبانية النظام إلا بعد خروجه وتحركه لمنطقة ثانية شمال المدينة ..كان الرصاص هو الجواب الفعلي والسريع على تخفي اليوسفي ..والباب ظل يحمل ندوب وثقوب حبات الرصاص لسنوات ..كما  قالها ورواها غير مامرة بنشوة المناضل ..الصفي الامي المناضل الانسان الذي فتحنا معه عيوننا على النضال ..الحاج محماد امرابطين رحمه الله ..ماذا تريد منا ياعبد الحميد ..ياجماهري تقلب علينا المواجع ..نحن الذين مانزال نوهم أنفسنا ونقنعها بأننا مجرد مهنيين نشتغل على الصحافة ولاشأن لنا بالنضال الحزبي …؟؟؟

المهم اليوسفي أخفته اسفي زمن الاستعمار وزمن الرصاص والاوفقيرية ..وكانت دوما ملاذا امنا يحتمي في داخلها ولم يش به أحد أو فضحته الاعين التي كانت تشتغل مع المخزن ..وحتى عندما استتبت الأمور كان سي عبد الرحمن يسأل عن المدينة بحنو ..واهتمام .وحتى إذا جاءته يوما جمعية جامعة  في اسفي ..لم يتردد وكانت التخريجة التي صيرها واقعا خالد عليوة كوزير للتعليم العالي ..الكليات المتعددة التخصصات ..هذه واحدة ..أما الثانية ويعرفها الاتحاديون الحقيقيون الذين لا يخافون  و لا يجزعون ولا يحسون بأوجاع ولا رهاب وإسهال  القمع ..قرر اقتناء مكتب للجريدة في أسفي وكان قرارا تاريخيا أكمل ماتم بناؤه من تراكم مهني انطلق من بيت سفلي لوالدي شافاه الله ..ولن أذكر أكثر ..النضال ماشي بالجميل كما يقول المغاربة ..

عندما بدأت إجراءات توثيق ملكية المكتب في اسم الجريدة ..توقف الموثق رحمه الله مليا عند اسم اليوسفي ..وفي الأخير قال كلمة لن أنساها…لن أخذ سنتا من مستحقات التوثيق ..يكفيني أن أوقع هذا العقد بجانب هذا الرجل …..تلك كلمات خارجة من حنايا القلب والحب والصدق ..

باسطا ..فالاصابع ماعادت تتحمل ارتجاف الاربعينية …صعب أن تكتب عن عبد الرحمن اليوسفي ..المناضل الإعلامي ليس هو الصحافي المهني ……….لن تنضبط لقواعد الكتابة وأنت تستعيد قصة حب طويلة ..اسمها الاتحاد الاشتراكي …اللهم نقنا من أدراننا كما  ينقى الثوب الأبيض من الدنس ……

 

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في غير مصنف
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

تكريم فعاليات ثقافية بأسفي في اليوم العالمي للرجل