نظرة عامة عن تطور الساكنة اليهودية بآسفي حتى القرن العشرين

6,966

مقال كتبه بالفرنسبة:محمد بداري
ترجمه الى العربية:المصطفى العياطي.

(تكريما ليسيمون ليفي، هذه مقالة ثانية مستوحاة من كتاباته وواردة في عمل مذكور من أعماله).

إذا استثنينا انخفاض عدد السكان اليهود في آسفي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، بسبب الجاذبية التي مارستها مدينة موكادور(الصويرة) التي أصبحت أكثر حركية بفضل سياسة الانفتاح التي تبناها سيدي محمد بن عبد الله إزاء ساكنة يهودية تتميز بالتفاعل مع التقلبات التجارية، فقد حافظت مدينة آسفي بالرغم من ذلك على طائفة يهودية جد نشيطة لها مجلسها ورئيسها ومعابدها الدينية اليهودية.
ومن المسلم به، أن هذه الطائفة، بالرغم انه كانت لها بمدينة آسفي خصوصية عدم العيش في “ملاح” مثل باقي المدن الاخرى بالبلاد، فقد ظلت متمسكة جدا بتراثها الثقافي والديني. لقد كانت تحتفل في شهر غشت من كل عام بهيلولة اولاد بن زميرو، في أجواء تضم أيضا حتى بعض المسلمين، حيث تذكرا لتقاليد والروايات اليهودية إسم عائلة مسلمة كانت مسؤولة عن رعاية الحجاج اليهود في هذا المكان المقدس. فكيف تطورت الساكنة اليهودية بآسفي حتى القرن العشرين؟
تنحدر الاشارات الاولى المتعلقة بيهود آسفي من القرن الرابع عشر، حيث ورد ببعض الكتب ذكر للعلاقات بين يهود المدينة ومايوركا. وقد اصبحت تلك الاشارات متوفرة بكثرة في القرن السادس عشر بتزامن مع الاحتلال البرتغالي، الذي حظي اليهود المستقرون بآسفي لديه بعناية كبيرة، منذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر. لقد تطلب الموقف اتباع هذه السياسة من قبل البرتغاليين بالرغم من تعارض العمل الانساني مع أهدافهم التوسعية، خاصة وأن مدينة آسفي كانت عشية الاحتلال تضم ضمن تركيبتها الديمغرافية ما يزيد قليلا عن اربعمائة منزل يهودي، بما في ذلك غالبية كبيرة من قادة الطائفة اليهودية المتنورين والمشهود لهم بالمعرفة والدراية.

لم يتوان البرتغاليون أيضا في الاعتراف بحرية يهود آسفي في العبادة كما استخدموهم كمترجمين في المجال التجاري، بل أنهم عينوا لهم قاضيا يهوديا يرعى شؤونهم الشخصية. لكل هذه الاسباب توطد استقرار اليهود بالمدينة وعرف عددهم زيادة طفيفة مع ظهور دولة الاشراف السعديين، حينها أصبحت مدينة آسفي ميناء لمراكش.
لقد كان النصف الثاني من القرن الثامن عشر قاتلا بالنسبة لميناء مدينة آسفي، حيث تراجعت انشطته لصالح موكادور(الصويرة)، وبالتالي حدثت إثر ذلك هجرة يهودية جماعية كبيرة نحو هذه المدينة الاخيرة. وسيستأنف ميناء آسفي أنشطته سنة 1817 مستمرا على ذلك طيلة القرن التاسع عشر بالرغم من منافسة مدن الدار البيضاء ومازاغان(الجديدة) بالإضافة الى موكادور.
بلغ عدد الساكنة اليهودية بآسفي 4400نسمة في بداية القرن العشرين، وقد وجد معظمهم بفضل إتقان اللغات الاجنبية بالمدارس الاسرائيلية عدة آفاق مهنية الى جانب الاوروبيين، الذين استفحل عددهم بما يتناسب ونمو المصالح الاوروبية بعد فرض عدد كبير من المعاهدات على المغرب، أهمها معاهدة الجزيرة الخضراء.
وصل عدد السكان اليهود بمدينة آسفي بعد توقيع عقد الحماية الى حوالي 3285نسمة، وقد انتقل العدد الى 4399 سنة 1947، ثم انخفض الى1434سنة 1960، لينخفض أخيرا الى250نسمة فقط سنة 1973.فكيف يمكننا تفسير هذه الارقام؟
يلاحظ أنه منذ ستة عشر عاما، زاد العدد بنسبة تقل عن 200 نسمة، وهو تقدم بطيء للغاية لا يمكن تفسيره إلا بما أصبحت تمارسه مدينة الدار البيضاء من استقطاب على اليهود الآسفيين، وكذا بسبب ركود ما كان يمارسه بعضهم من حرف، جراء منافسة الاقتصاد الكولونيالي. إن الانخفاض الكبير في عدد السكان اليهود بآسفي ما بين 1947و1960 يجد تفسيره في إنشاء “دولة اسرائيل” وتحريك الهجرة اليهودية تحت رعاية بعض المنظمات الصهيونية باعتبارها وكالة يهودية.
وبينما تفسر حروب 1967و1973 تراجع العدد الى 200 نسمة، فإن للأسباب التفسيرية لبقاء بعض اليهود في مدينة آسفي طبيعة اجتماعية واقتصادية، لأن بعضهم فضلوا قضاء ما تبقى من حياتهم هناك، لكونهم تكيفوا مع طريقة معينة للحياة. كما أن لهذه الاسباب طابع تاريخي، باعتبار مدينة آسفي-شأنها شأن باقي البلاد- تتميز بتقاليد الاجداد المبنية على التعايش والاعتراف بالمكون اليهودي.

 

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في دين وثراث
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

حي الرياض بأسفي بلوك 10, 12 بدون كهرباء الثلاثاء 26 نونبر 2024