تزخر مدينة أسفي العتيقة بين أسوارها بالعديد من الزوايا والأضرحة ، وهي وليدة فترة تاريخية عمت العالم الاسلامي من شرقه الى غربه ، وتميزت بالصراعات الطائفية وتوالي سنوات الجفاف والقحط وانتشار الاوبئة، وذلك ابتداء من القرن السادس الهجري . هذه الوضعية خلقت إبادة ودمارا جعلت الانسان يحاول جاهدا التوسل الى الله كي يمنع عنه الكروب وصروف الدهر . لذا فقد وجد الانسان راحته النفسية واطمئنانه الوجداني في الزوايا الدينية الصوفية ،حيث يبث شيوخها السكينة والطمأنينة في النفوس بأذكارهم وابتهالاتهم وأورادهم . كانت وما زالت كل الطرق والزوايا الدينية الحمدوشية والعيساوية والقادرية والتجانيةوالدرقاوية والناصرية ممثلة بمقرها ومحافظها بمدينة أسفي ، ومن أقدمها زاوية القطب الصوفي مولاي عبد القادر الجيلالي (باللام) ، أما الإسم الحقيقي فهو الجيلاني (بالنون) نسبة الى جيلان الايرانية . مولاي عبد القادر الجيلاني ولد بجيلان سنة 470هج وتوفي ببغداد سنة 561 هج شاعر وفقيه وصوفي ، عرفت تعاليمه انتشارا واسعا بالمغرب وتقديرا متميزا جعل المغاربة يخلقون اسما جديدا للذكور لم يكن معروفا هو (الجيلالي) نسبة لهذا القطب الصوفي ، واعتقد أن هذا الاسم موجود في المغرب فقط .فتح هذا الصوفي مدرسة ببغداد في مستهل القرن السادس الهجري للتخفيف من الازمة الروحية والنفسية لدى الانسان نتيجة انتشار الفوضى وانعدام الأمن بسبب تمزق أوصال الدولة العباسية ، بالاضافة الى توالي المجاعات وانتشار الاوبئة . ولم تبق تعاليم هذه المدرسة رهينة بغداد بل خرجت لتجوب العالم الاسلامي أنذاك . ومن بين تعاليم هذه المدرسة الزهد في الدنيا ، ومجاهدة النفس ضد النزوات والشهوات ، والاعتماد على الخالق لا المخلوق ، والتواضع الذي تعلو به المنزلة . لكن الصيت الطيب والمكانة الرفيعة التي احتلها القطب الصوفي مولاي عبد القادر الجيلاني في قلوب المريدين ، كانت بسبب أهم فصل في تعاليمه وهو هذا القول المأثور عنه (لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع ) . فهو يرى أن أرض الله كلها مساجد ، في حين أن الجوع إذا تمكن من الانسان ذهبت كرامته ، والجوع هو مصدر الكفر . لذا كان يحث مريديه على تخصيص أوقات للخروج وجمع الصدقات لإطعام الجائعين في دروب بغداد ، والتوجه الى بيوت الأرامل والأيتام للتفريج عنهم ** ترى هل ما زالت الزاوية القادرية وفية لمبادئ وتعاليم شيخها مولاي عبد القادر الجيلاني .
الأستاذ إدريس بوطور