“بريد المغرب ” يخلد الذكرى المئوية لمدرسة الخزف بأسفي

4,568

كتب سعيد الجدياني 

لقي اقتراح النادي المغربي للمخطوطات والمسكوكات والطوابع بأسفي ,  استجابة من بريد المغرب، بإصدار طابع بريدي يخلد الذكرى المئوية لإنشاء أول مدرسة للخزف بأسفي   ( 1920-2020) .  وسوف يتم إصدار طابع بريدي يحتفل  بهذه  الذكرى الذهبية خلال الشهر المقبل .

وكان النادي قد تقدم بثلاث اقتراحات ، الاول يتعلق بالذكرى المئوية  لمدرسة الخزف بأسفي،  والاقتراح الثاني  بالذكرى الخمسينية لرحلة راع  17ماي 1970 -17ماي 2020 ، اما المقترح الثالث فكان حول الفنانة  التشكيلية الفطرية فاطنة الكبوري . فتمت الاستجابة  للاقتراح الأول ،  علما ان المشمول برحمة الله المرحوم الخضر غيلان   الذي قام النادي بتكريمه في السنة الماضية خلال الدورة الثانية لشهر التراث بأسفي،  كان له دور فعال في التفاتة  ” بريد المغرب  ” إلى مدينة أسفي  الغنية بتراثها .

مدرسة الخزفيين بأسفي

تعد مدرسة الخزف التي تختص في اوراش ( الرسم والخرط )، اسسها  الفنان المبدع والخزفي  بوجمعة العملي بأسفي سنة 1920 م، وهي أول مدرسة رائدة بالمغرب ان لم نقل بإفريقيا . وهي مدرسة لتعليم الرسم والخرط  حيث تخرج منها من أصبحوا من كبار الخزفيين، حيث أصبحت صناعة الخزف بأسفي إحدى الموارد الاقتصادية بالمدينة التي تشغل نسبة كبيرة من الشباب ، وتم إطلاق اسم العملي على الخزف إشارة إلى مكانة الرجل في تاريخ هذا الفن.

و  بقدوم الفنان والخزفي  بوجمعة العملي  الى أسفي سنة 1918 ، انطلق عهد جديد في تاريخ الفخار والخزف بأسفي،  والفنان  بوجمعة العملي،  أصله من القبائلي  بالجزائر استدعاه الماريشال ليوطي سنة 1918 ليطور الخزف بالمغرب   وزار اربع مدن مغربية وهي تطوان وسلا وفاس وأسفي، فاختار مدينة أسفي  لإنشاء بها مدرسته ومعمله للخزف، ونقل تجربته التي راكمها بمدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، و من تقنيات صناعة الأشكال والألوان من المصنع الوطني الفرنسي لمدينة سيفر، الشهير باحتفاظه على سرية صناعة أشكال الخزف التي تعود إلى الحضارات الفارسية والعثمانية والأندلسية.

تل الخزف يحتضن مدرسة العملي

تقع المدرسة بتل الخزف باسفي  محاذية للسور الموحدى المحاذي لباب القواس ، ومعلوم ان تل الخزف يضم العديد  من الورشات التي مازالت  تحافظ  على طابعها التقليدي وخاصة الشكل المعماري للافران التقليدية .ويعتبر تل الخزف متحفا مفتوحا  يبرز خصوصيات  هذه الصناعة العريقة باسفي . وقد تم ترتيبه كموقع تاريخي بظهير مؤرخ ب 20 جمادي الثانية  سنة 1398 الموافق 29 مارس 1920.

ومن مميزات هذه المدرسة التي اسمرت من سنة 1920الى غاية سنة 1935 . أنها زاوجت بين الخبرة التقليدية  والتجارب الحديثة .  نظرا لثقافة   الواسعة التي كسبها بوجمعة العمالي انتسبها من خلال وتكوينه كذلك على مستوى  التداريب والبحث في مصنع سيفر  Sevres بفرنسا وفي اسبانيا . وزياراته لعدد كبير من المتاحف الدولية للوقوف على تطور صناعة الخزف .كما تأثر كثيرا  بالفن الإسلامي  وبتقنيات إيرانية خاصة الخزف الاصبهاني والموريسكي الاندلسي  .

طرق التدريس

كانتالدروس  في  هذه المدرسة تركز على الرسم  والخرط  . عن طريق ورشات تطبيقية ونظرية سواء  في الرسم  باستعمال الدفتر والقلم  والألوان والفرشاة و “الكانبة le canevas”. او قاطع ومقطوع وتجدر الإشارة “إلى أن خزف اسفي انفرد ولازال ينفرد برسوم وعلامات لها دلالات رمزية تندرج ضمن نوع زخرفي يسمى “اتبوع”.

و اكتسب طلاب المدرسة مهارة عالية في الإتقان في التشكيل والزخرفة وصياغة الألوان، وفي هذا الاطار  يقول صاحب مولاي التهامي الوزاني في كنابه ” تل الخزف ”   إن إبراز هذه المواصفات الفنية رهين بما يسمى “التزديج”الذي كان ألزخرفي يصنعه بنفسه مستعملا في ذلك الاكاسيد التي تعطي ألوانا بعد خلطها مع أكسيد الرصاص الذي هو المادة الأساسية لتثبيت الألوان وإعطائها البريق المرغوب. فأكسيد الحديد مثلا يعطي اللون البني ، وأكسيد النحاس يعطي اللون الأخضر ، وأكسيد الكوبالت يعطي اللون الأزرق، وكل هذه الألوان تكون تزديجا يطلى به الفخار البسيط ليصبح خزفا جميلا براقا بعد مروره بالنار في الفرن.إن استخدام هذه الألوان في التزيين الذي يتطلب مهارة كبيرة ، تحدد درجة جودة المنتوج ، يبتدئ في الغالب باختيار ثلاثة ألوان لا تخرج عن الألوان الخمسة المعروفة ،وهي الأبيض ، الأصفر،الأزرق ، كل واحد من هذه الألوان يستعمل بكثافة مختلفة.” هذا الاسلوب الجديد والتقنية المبتكرة التي تختلف عن الاباء خلقت  جيل جديد من الخزفيين ( اللوالبية  والزواقة )  حملوا المشعل  وبفضلهم  احتل  خزف اسفي مرتبة كبيرة على الصعيدين الوطني والدولي .

وقد كان عدد تلاميذ المدرسة عند افتتاحها عشرة تلاميذ (10 تلاميذ )، ليتضاعف عددهم بأكثر من أربع مرات، ليصل إلى واحد وأربعين ( 41 تلميذا) سنة 1924.

وهؤلاء أسماء بعض الخريجين : صالح بنجلول — فراجلي . – عبد القادر ولد كلتوم– المعلم الصويري — المعلم بوجمعة العملي – سي عبد الواحد بنهيمة – المعلم محمد اشهب – الكوشي – بيي احمد  – بن ابراهيم  – ابراهيم ايت لحريشي – المعطي —  المعلم العربي قزدار – المعلم الطيب اخلالة – سي محمد ولد لفقيه بن ابراهيم بنهيمة – مولاي اسماعيل – ولد طالب – سي دحمان – صالح  ولد طالبي– مولاي ادريس الوزاني – بلخدير سي العربي – عبد الرحمن بن عبد الله الحجار – مولاي احمد احمد – سيدي محمد بن مسعود – مولاي العربي – سي عبد اللطيف بن ابراهيم  – سي الحسين  ولد سي لحسن بن ابراهيم – سي احمد الواحدي  – علال  ولد سي التهامي المسقاوي – عبد القادر ولد الحاج فاتح – مولاي الطيب الوزاني – احمد ولد المعلم عبد الله التابعي – ولد مولاي علي جريدة .

من هو بوجمعة العملي؟

هو من مواليد سنة 1890 بقرية قريبة من تيزي أوزو بمنطقة القبائل الجزائرية، اشتهر بتصميمه وتزيينه لقطع خزفية وأعاد من خلالها استلهام الحضارات الفارسية والأمازيغية والأندلسية والتركية، واشتغل أيضا على الحضارة العربية، وحافظ على الطابع الآسفي القديم للقرن الثامن والتاسع عشر، وحصل سنة 1922 على الميدالية الذهبية في المعرض الكولونيالي بمرسيليا،وفي سنة 1924 شارك في معرض اقيم بمدينة ستراسبورغ الفرنسية وحصل على الميدالية الذهبية .

وشارك العملي سنة 1925 في  المعرض الدولي لفنون الزخرفة  المعاصرة  وحصول على ميدالية فضية . وكانت لم مساهمة متميزة سنة 1928 في معرض للخزف المغربي ، الذي نظم  من طرف مانيفاكتورة بمدينة سيفر للخزف . وفي سنة 1931  شارك بالمعرض الكولونيالي الدولي بباريس وحصوله على ” دبلوم الشرف ”  وميدالية فضية  من مؤسسسة التشجيع الفني .

وحصد العملي العديد من المداليات، حيث حصل على ذهبية  وأخرى مماثلة سنة 1937 من المعرض الدولي لباريس، وكذا  دبلوم تنويه واستحقاق سنة 1949 بالمعرض الدولي بنيويورك  .كما وُشح بعدد كبير من الأوسمة الشريفة من طرف الملك الراحل محمد الخامس الذي صنع له تحفا عالية القيمة والجمالية . وعند استقلال المغرب 1956اهدى العملي مجموعته الفنية من قطع الخزفية التي كان يشارك بها في المحافل الدولية الى المجلس البلدي . وللاسف الشديد فقد تمت سرقة  معظم هذه القطع  المتحفية الرائعة ولم بيق منها سوى 30 قطعة تم منحها الى مؤسسة المتاحف في التسعينيات.

توفى  بوجمعة العملي سنة 1971م بأسفي ودفن بها ،  ولا زال اسمه   العملي يطلق في المغرب على  قطع الخزف , كما خلف وراءه إرثا خزفيا رفيع القيمة، لا يتواجد حاليا بالأسواق بل في المعارض والمتاحف الوطنية والدولية ولدى المجموعات الخاصة لكبار جامعي التحف بالمغرب وخارج التراب الوطني، خاصة بفرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.

شهادة صاحب كتاب تل الخزف

بقول الباحث مولاي التهامي الوزاني صاحب كتاب ” تل الخزف ” عن صناعة الخزف باسفي ” إن المصنوعات الخزفية التي أنجزها عدد من “المعلمين المحليين “الكبار في المرحلة الماضية ،يمكن اعتبارها أنماط فنية ، لها نوعية متميزة وأسلوب خاص ، تأكد على يدهم ، لأنهم حينما يكسبون ابتكاراتهم الفخارية البسيطة طابعا فنيا إنما يصدر ذلك عن خبرتهم الجمالية وقدرتهم الإبداعية التي استطاعوا بواسطتها استخدام مواد الطبيعة في إغراض تفوق مكونات المادة  نفسها ، واكبر دليل على ما نقول هو ما حدث في مدينة اسفي حينما استعمل الفنان “بوجمعة العملي “والمعلم “ابن ابراهيم” ، و الخزفي عبد القادر لغريسي  و ما يستعمله حاليا المبدع “مولاي احمد السرغيني” والمعلم “الزيواني ” بنجاح كبير ، تقنية الخزف ذي البريق أو اللمع المعدني ،(Téchniques des reflets  mètalliques)  تقنية عربية أصلا والتي انطلقت من سوريا لتصل إلى الأندلس في القرن الرابع عشر ميلادي ، والى ايطاليا في القرن الثامن عشر. هكذا كان لمدينة اسفي العتيقة ما اختصت به من فن خزفي عريق ومتميز يشكل ظاهرة رائعة من تراثها الحضاري والتاريخي الأمر الذي جعل هذا الفن يصل إلى الشهرة الدولي

ان شاء الله سوف نعود للموضوع الخاص بإصدار الطابع البريدي

 

 

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في شأن محلي
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

تكريم فعاليات ثقافية بأسفي في اليوم العالمي للرجل